ومن المعروف أن أزمة اليهودية الحاخامية كانت قد بدأت في القرن السابع عشر، وهي الأزمة التي قوضت دعائمها بحيث أصبحت في نهاية الأمر عقيدة أقلية صغيرة من يهود العالم، إذ تبنَّى بقية أعضاء الجماعات اليهودية أشكالاً مختلفة من اليهودية (مثل اليهودية التجديدية) ليس لها علاقة كبيرة باليهودية الحاخامية. ومن أهم مظاهر هذه الأزمة سيطرة القبَّالاه، خصوصاً اللوريانية، على معظم يهود أوربا ابتداءً من منتصف القرن السادس عشر، وهي صيغة حلولية كمونية واحدية (وحدة وجود روحية لم يبق فيها من الإله سوى الاسم) استوعبها إسبينوزا وغيره من أعضاء الجماعات اليهودية، وأثرت في رؤيتهم للعالم بشكل عميق. تلقى إسبينوزا تعليماً تقليدياً فدرس التلمود، ولكن التفسيرات القبَّالية كانت قد تغلغلت حتى في المدارس التلمودية العليا (يشيفا) ، وأصبحت تفاسير التلمود ذات طابع قبَّالي لورياني، وقرأ كتابات ابن ميمون وتعرف من خلالها إلى فكر ابن رشد، كما درس اللاتينية. وإلى جانب ذلك، كان إسبينوزا يجيد الإسبانية والبرتغالية والعبرية وكان ملماً بالفرنسية والإيطالية، الأمر الذي فتح له كثيراً من الآفاق فدرس فكر عصر النهضة الأوربية، وقرأ أعمال ديكارت وهوبز اللذين تركا أعمق الأثر فيه، واستوعب فكر جوردانو برونو وهو فكر ذو طابع حلولي كموني واضح. وتعلَّم إسبينوزا اللاتينية على يد فان دن اندج، كما تلقى على يديه أيضاً مبدأ وحدة الوجود.