ويبدو أن إسبينوزا كان يُعد نفسه ليكون حاخاماً. وكان يعمل في تجارة أبيه وكذلك كانت تربطه علاقة طيبة بكثير من المسيحيين الهولنديين الذين بدأت ترتفع بينهم معدلات العلمنة. وكانت هولندا آنذاك مسرحاً للاضطرابات بين أنصار بيت أورانج والنبلاء (والجماهير) من جهة، والطبقة الوسطى الثرية التي كانت لها اتجاهات جمهورية من جهة أخرى. وقد أعلن إسبينوزا تمرده على العقيدة اليهودية (وكل العقائد في واقع الأمر) ، وحاول الحاخامات رشوته في بادئ الأمر حتى يخفي رأيه، ولكنه أصر عليه وعلى إعلانه، فاتُهم بالإلحاد وطُرد من حظيرة الدين، فقبل هذا القرّار بهدوء ولكنه لم يتبن عقيدة دينية جديدة بديلة. وانتقل ليعيش بعيداً عن الحي اليهودي، وغيَّر اسمه إلى «بنيديكتوس Benedictus» (المرادف اللاتيني لاسم «باروخ» أي «مبارك» ) ، وعاش على صقل العدسات البصرية.
لم ينشر إسبينوزا سوى كتابين في حياته ولم يصدر باسمه سوى واحد منهما فقط وهو مبادئ الفلسفة الديكارتية، أما الكتاب الثاني فهو رسالة في اللاهوت والسياسة. ونُشرت بقية مؤلفاته بعد وفاته ومن بينها الأخلاق والبحث السياسي وإصلاح العقل والرسائل ورسالة في النحو العبري. وتتسم فلسفة إسبينوزا بشمولها، فهي نظرية في الدين والدنيا، وفي الأخلاق والعاطفة، وفي الإنسان والطبيعة، وفي الفرد والمجتمع. وتدور معظم (إن لم يكن كل) النماذج والمنظومات الفكرية حول عناصر ثلاثة، الإله والطبيعة والإنسان، والعلاقة بينها. وإذا كان هذا القول ينطبق على معظم النماذج الفكرية، فهو أكثر انطباقاً على فلسفة إسبينوزا إذ تدور فلسفته حول هذه العناصر الثلاثة بشكل واضح.