للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أهم مؤلفات إسبينوزا كتاب رسالة في اللاهوت والسياسة، وهو أساساً نقد للعهد القديم ولأسفار موسى الخمسة. ومن هنا يُعَدُّ إسبينوزا من أوائل المفكرين الذين وضعوا دعائم العلم الذي يُسمَّى «نقد العهد القديم» (أي النقد التاريخي للكُتب المقدَّسة) . وقد أنكر إسبينوزا في كتابه كثيراً من مبادئ اليهودية أو مبادئ أي دين آخر مثل الإيمان بالوحي، فالأنبياء حسب تصوره إن هم إلا أشخاص ذوو خيال متوقد، كانوا قادرين على التوصل إلى حقائق أخلاقية. أما فيما يتصل بمعرفتهم بالقوانين العلمية فأفكارهم متناقضة. وموسى لا يختلف عن الأنبياء إلا في أن الوحي بالنسبة إليه كان مباشراً من خلال صوت الإله. وقد رفض إسبينوزا الإيمان بالمعجزات إذ لا يمكن أن يحدث أي شيء متناقض مع القانون الطبيعي (فالطبيعة/المادة هي المرجعية النهائية) . وإن كانت هناك إشارات للمعجزات في العهد القديم، فإن هذا يعود إلى أنه مُوجَّه للوجدان الشعبي ولا يصلح لكل الناس. والتوراة عديمة القيمة إلا في تلك الجوانب المشتركة مع القانون الطبيعي، أي أن المرجعية النهائية هي دائماً الطبيعة/المادة (وهذا هو جوهر التفكير الربوبي (.

وأكد إسبينوزا أن الكتب الدينية اليهودية موجهة أساساً إلى الجماهير اليهودية وحدها، وأن الشريعة اليهودية إن هي إلا قوانين الدولة العبرانية القديمة التي صدرت لضمان الاستقرّار السياسي بين العبرانيين. ولذا، لا علاقة لهذه القوانين باليهود بعد الشتات، أي بعد انتشارهم في العالم، فعلاقتها أساساً بالاستقرّار الزمني للدولة. ويرى إسبينوزا أن سائر الشعائر والاحتفالات الدينية التي وردت في العهد القديم هي من وضع العلماء اليهود الفريسيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>