للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقارن إسبينوزا بين موسى والمسيح فيقول إن موسى كان يخاطب اليهود بوصفه مشرِّعاً وقاضياً وكان يتناول في تشريعه الجانب الظاهر من سلوك الإنسان، أما المسيح فتناولت تعاليمه حياة الإنسان الباطنة وكان الجزاء عنده روحياً أكثر منه دنيوياً.

وقد حلل إسبينوزا مختلف طرق الاتصال بين الإله والأنبياء حسبما جاء في الأناجيل، ويرى أن الأوصاف الواردة في الأناجيل لا تدل على حدوث اتصال مباشر بين العقل الإلهي وبين أي عقل آخر سوى المسيح. فالاتصال الإلهي بموسى كان مخاطبة أو كلاماً، والكلام يحتاج دائماً إلى المخيلة لتفسيره أو فهمه (أي أن هناك ثغرة بين الخالق وموسى إبّان عملية الوحي) . وكذا كان الأمر مع الأنبياء، فالاتصال ببقية الأنبياء اليهود كان عن طريق أحلام أو علامات أو أمارات معيَّنة، أي أنه كان يتم دائماً من خلال واسطة، وهو ما يعني وجود ثغرة أو فجوة بين الإله والأنبياء. والحالة الوحيدة التي تم فيها اتصال مباشر، ومن عقل إلى عقل دون توسط اللغة أو الخيال، هي حالة المسيح (فهل التجسد ـ إذن ـ هو النموذج الكامن في فكر إسبينوزا: أي أن تصبح الكلمة جسداً، ويصبح الدال مدلولاً، وتختفي الثغرات تماماً؟ هل التجسد هو تحوُّل الواحدية الروحية إلى واحدية مادية وتحوُّل اللاهوت إلى ناسوت؟) . وعلاوة على كل هذا، أُرسل موسى إلى اليهود وحسب، ولذا فقد توجه موسى إلى اليهود وحدهم وتكيَّف عقله مع أوضاعهم. أما المسيح فتوجه إلى العالم، ولذا فإن أفكاره عالمية وحقيقية. وقد أثرت رؤية إسبينوزا للعقيدة اليهودية فيمن أتى بعده من فلاسفة غربيين بما في ذلك كانط وهيجل وماركس، بل وفي مقارنة النماذج التحليلية التي سادت في علم مقارنة الأديان (وفي الفكر الديني اليهودي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>