للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حدا هذا بالبعض على أن يروا في موقف إسبينوزا هذا محاباة للمسيحية على حساب اليهودية. ولكن إسبينوزا يستوعب كل شيء في نسقه الواحدي فبيَّن كيف يختلف رأيه عن رأي المسيحيين، فهو يرى الإله باعتباره العلة الكامنة في الأشياء (المبدأ الواحد) وليس العلة العالية فوق الأشياء، المتجاوزة لها. ولذا، فهو يُفسِّر الفكرة المسيحية القائلة بأن المسيح هو ابن الإله الأزلي باعتبار أنها تعني في واقع الأمر أن المسيح كان يُعبِّر عن الحكمة الإلهية الأزلية كما تتمثل في الأشياء ولا سيما العقل البشري (المبدأ الواحد الكامن في المادة) ، وهي الحكمة المؤدية بالفعل إلى الخلاص. أما فكرة أن يتخذ الإله صورة بشرية، فإنها مستحيلة تماماً كأن نقول إن الدائرة اتخذت صورة المربع، وهكذا نعود دائماً إلى الهندسة والأرقام.

ولا ينصرف نقد إسبينوزا إلى اليهودية وحسب وإنما يمتد ليشمل اليهود أيضاً، إذ يرى أنهم تمسَّكوا بعقائدهم بعد هدم الهيكل لا ابتغاء مرضاة الإله وإنما كرهاً للمسيحية. وعنده أن عقيدة الاختيار إن هي إلا تعبير عن غبطتهم بعزلتهم عن الآخرين. واليهود هم محط كراهية الإله الذي حطم هيكلهم والذي أرسل إليهم بشرائع وقوانين لا يستطيع أحد أن يعيش بمقتضاها. ولذا، فهذه القوانين لم تكن تعبيراً عن رغبة الإله في الحفاظ على رضاء اليهود بل تعبيراً عن غضبه عليهم ومنهم.

وأفاض إسبينوزا بعد ذلك في ذكر صفات اليهود السلبية، فاليهود يكرهون كل الشعوب الأخرى حتى أصبح الحقد بالنسبة إليهم طبيعة ثانية، ينمونها كل يوم في صلواتهم. وحتى صفاتهم الطيبة، فإنها نابعة من سيئاتهم، فتماسكهم وتعاطفهم ينبع من كُرههم لكل الشعوب الأخرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>