للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقطة الانطلاق لا هي الذات المغلقة على نفسها ولا هي الموضوع المطلق المغلق على نفسه، بل هي الشعور والوعي الإنساني (الجمعي) . وكان هوسرل يرى أن كل حدس كوني مصدر مشروع للمعرفة، بل المصدر الأساسي للمعرفة الإنسانية. فالإدراك الإنساني ليس سلبياً وإنما هو إعادة وعي بشيء فهو يتجه وينطلق ويمتد نحو شيء ما (وهذا ما يُسمَّى «القصدية» وهو مفهوم أخذه هوسرل من كتابات برنتانو وطوَّره) . وبهذا المعنى، فالشعور ليس فيض عواطف ولا انفعالات ذاتية ولا أحاسيس شخصية وإنما هو شيء مركَّب يضم عنصرين لا عنصراً واحداً: الشعور الإنساني، والشيء ذاته. والشيء ذاته مختلف عن مفهوم كانط «الشيء في ذاته» الذي يختفي دوماً عن الشخص الذي يسعى إلى المعرفة، والذي لا يمكن معرفته إلا بالإيمان. ولفهم الشيء ذاته سنشير إلى أن الموضوع عند هوسرل ليس ما يقع خارج الوعي (حسب التعريف المادي) وإنما ما هو في متناول الوعي. والظاهرة ليست شيئاً موضوعياً مادياً يوجد جاهزاً مستقلاً في عالم الطبيعة له حدوده الواضحة، وإنما هي ظاهرة بمقدار ما تكشف عن الوجود كتجربة حية في الشعور فتصبح مرادفة للشيء ذاته وتكشف ما تنطوي عليه معطيات الشعور نفسها. في هذا الإطار تنحل الذات وينحل الموضوع، فالموضوع ليس شيئاً جامداً بل مجموعة من العلاقات الحية، والذات أيضاً ليست شيئاً محدَّداً وإنما علاقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>