للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد عمليات الرد الفينومينولوجي تأتي عملية الوصف الفينومينولوجي، وهو وصف شامل يحيط بالشيء كما يتمثل في الوعي يحاول أن يكشف سماته وأبعاده وماهيته من خلال الإدراك الحدسي وأن يدرك الظواهر الخالصة، أي الثابت وغير المتغيِّر والجوهري والعالمي في الظاهرة، كما تنعكس على الوعي الجمعي. وأن يكتشف النمط الثابت المتواتر (وكلمة «نمط» في اليونانية تعني إيدوس eidos) ، ومن هنا حديث هوسرل عن الرد الفينومينولوجي باعتباره التجريد الإيديتيكي، وهو التجريد الذي يتم في إطار البحث عما هو جوهري وثابت. لكل هذا يمكن الوصول إلى معرفة غير مؤسَّسة على الخبرات العملية الضيقة وبدون اللجوء إلى عمليات الاستقراء (والوصول إلى القوانين الموضوعية العامة) أو إلى الاستنباط (من بعض المبادئ العقلية أو المثالية العامة) ، معرفة تستند إلى الخبرة الإنسانية العامة بأنماطها وأبنيتها (الماهيات والأنماط المثالية) وبنى الوعي الأساسية المستقلة عن معطيات التجربة الشخصية (المتمركزة حول الذات والمستقلة عن الموضوع) أو الموضوعية (المتمركزة حول الموضوع والمستقلة عن الذات) وصولاً إلى أعماق الإنسان ووعيه الخالص لتصبح أساساً لعلم يقيني جديد (منطق الوعي) تستند يقينيته إلى أنه راسخ في الوعي الجمعي للإنسان (بالمعنى الأنطولوجي وليس بالمعنى النفسي الشائع) ، أي أننا سندرس الوعي الإنساني كما يَدْرس علم الحساب الخالص الأعداد وكما يَدْرس علم الهندسة الأشكال المكانية. فعلم الحساب الخالص وعلم الهندسة الخالص يهتمان بأنماط معيَّنة من الأبنية والعلاقات الداخلية بينها. وتُعبِّر قضاياها عن الخصائص المميِّزة لهذه الأبنية بدون أية إشارة إلى أية خصائص تجريبية أو تجارب ذاتية.

<<  <  ج: ص:  >  >>