للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصوَّر هوسرل أنه بذلك قضى تماماً على الاتجاه الطبيعي والذاتي وأن روح الحضارة الغربية (وعيها الخالص) ستستيقظ من حيرتها وستخرج من عدميتها كما تُبعَث العنقاء من رمادها، وهي صورة مجازية عضوية حلولية كمونية وثنية، امتداد لصورة الاستنارة المجازية ونورها المتوهج، صورة بروميثيوس المجازية والنار المتقدة التي سرقها من الآلهة، وحسب تضمينات هذه الصورة المجازية عند هوسرل يبدو أن نار العلم الطبيعي أحرقت العالم فأصبح رماداً وأن فلسفة هوسرل هي البلسم. ورغم أن إيمان هوسرل كان عميقاً إلا أنه لم يكن هناك ما يسانده في الواقع. فالحضارة الغربية كانت تمارس أقسى أنواع العنف في المستعمرات، وتحرق الأخضر واليابس وتحولهما إلى رماد، وكان هتلر على الأبواب وكان ستالين متربعاً على عرش القياصرة. وما ظهر بعد ذلك لم تكن العنقاء التي تُبعَث من الرماد وإنما ظهرت أفران الغاز ومعسكرات الجولاج التي أحرقت الجسد والروح (بعد التحام الذات والموضوع) وبدلاً من العنقاء التي ترفرف بأجنحتها القوية تساقط مزيد من الرماد على الإنسان والطبيعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>