للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويرى لوكاتش أن الرواية الواقعية (في عصر البورجوازية) محاولة للعودة إلى الرؤية الملحمية والاستمرارية السردية بين الجوهر الروحي والحياة الواقعية والمادية. ولكن بدلاً من الآلهة التي كانت تضمن الوحدة الكونية وتهدي خُطى أبطال البطل الملحمي الأسطوري تظهر الرؤية الواقعية الحديثة حيث يحدث الشيء نفسه، ولكن مصدر الوحدة هو الإنسان نفسه وبحثه الدائب عن المعنى في عالم لا معنى له. وعادةً ما يفشل البطل في الرواية الحديثة، فالعالم الذي يعيش فيه عالم متشيئ، ولذا يعيش البطل منفصلاً عن جماعته منعزلاً عنها. وتعبِّر الرواية عن عزلة الفرد من خلال المثالية (سرفانتس) أو الواقعية (فلوبير) أو الطوباوية (تولستوي) . ولكن الرواية ذاتها، كتجسيد سردي وشكلي لعملية البحث عن المعنى والوحدة، تؤكد العلاقة بين الجوهر والحياة وتشير إلى إمكانية الوحدة بين الذات والموضوع. فالعمل الروائي، من ثم، رغم أنه قد يكون على مستوى المضمون السردي المباشر يتحدث عن إحباط البشر، يظل عملاً تبشيرياً طوباوياً متجاوزاً، فالعمل الروائي مثل العمل الثوري في تبشيره بإمكانية وحدة الوعي والواقع؛ أي أن الرواية الواقعية لا تقدم مجرد وصف وتحليل وإنما تقدم لنا عناصر تكوين الواقع والمنظور والبديل، ومن ثم فهي تبشير بعالم متكامل واحتجاج على عالم يسحق الإنسان.

ويؤكد لوكاتش أن المؤلف البورجوازي قد يصل إلى إدراك العملية التاريخية بشكل واع من خلال خلق شخصيات تتجاوز ـ على المستوى الخيالي ـ أساسها الطبقي. ويضرب لوكاتش مثلاً بوولترسكوت وتوماس مان ودوستويفسكي وبلزاك وفلوبير باعتبارهم روائيين أدركوا طبيعة التحول التاريخي الاجتماعي في العصر الحديث فقدموا شخصيات هي أنماط إنسانية تعبِّر عن الإمكانية الإنسانية الحقيقية وعن رغبة الإنسان في أن تتحد الذات مع الموضوع، رغم الوضع الطبقي لهؤلاء الكُتَّاب ورغم تذبذبهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>