والواقعية التي يتحدث عنها لوكاتش ليست الواقعية الاشتراكية التي تتراوح بين الفوتوغرافية والدعاية، ولكنها واقعية تستند إلى إدراك متعين للواقع الاجتماعي ولكيفية تجاوزه، كواقع مباشر متغيِّر من خلال العملية التاريخية التي يُفترَض أنها تحتوي على الإمكانيات الإنسانية والاجتماعية التي سيُقدَّر لها أن تتحقق في نظام اجتماعي وثقافي جديد. من هذا المنظور، وجه لوكاتش نقداً حاداً لكلٍّ من النزعة الجمالية (الشكلانية) والنزعة الرومانسية في الفن وما يُسمَّى بالحداثة. فكلها نزعات واحدية تركز على الشكل أو على جانب واحد من الواقع (الوضع القائم) دون الجانب الثاني (الإمكانية) ، أي أنها تُلغي الثنائية. ولعل نقده للحداثة (في مقاله الشهير «أيديولوجيا الحداثة» ) يوضح لنا وجهة نظره، فالأدب الحداثي هو نتاج وعي كاتب لا يشعر بالكل ولا بالوحدة ولا بالإمكانية بسبب تركيزه على جانب واحد من الواقع (الجزء ـ السطح) وهو ما يجعل وجدان الأديب غير قادر على تجاوز هذا التفتت الذري من حوله وتجاوز التشيؤ والجمود. ويصف لوكاتش الحداثة بأنها تأمُّل متشائم وسقوط في العدمية واليأس، وهي (عنده) تعود بجذورها إلى تشاؤمية هايدجر وكتابات سارتر الأولى حيث يذهبان إلى أن الوضع الأنطولوجي للإنسان يحكم عليه بحالة اغتراب دائم لا يمكن تجاوزه بغض النظر عن التطور التاريخي. والحداثة، بهذا، تقهقر إلى عالم مجرد ميتافيزيقي لا تاريخي، عالم المثالية المجردة (الأفلاطوني) . فالواقع مرادف للعبث والروح إحباط مستمر ولا يوجد أي بحث عن المعنى (كما هو الحال مع الرواية الواقعية البورجوازية) . وقد أصبحت الشخصيات ذاتها أحادية فلم تَعُد تجسّداً لنمط إنساني اجتماعي عام في لحظة تاريخية وفي ظروف اجتماعية محددة تتعامل معها وتؤثر فيها وتتأثر بها، وإنما أصبحت الشخصيات منعزلة غير اجتماعية غير قادرة على الدخول في علاقة مع الآخرين أو على التفاعل مع الواقع الاجتماعي،