وتشومسكي يؤمن بعقيدة التقدم: فإطار الحرية والعدالة يتسع دائماً، وهذه صفة نماذجية عامة تنطبق على عموم الحقب التاريخية. فالاتجاه العام هو نحو التقدم (وإن كان الأمر لا يخلو من بعض الانتكاسات!) . ويضرب تشومسكي أمثلة على انتصار التقدم (والعدالة والحرية) ، فالاسترقاق لم يعد مقبولاً والتجارب المعملية على البشر أصبحت تُعتبَر أمراً وحشياً (بعد أن كانت أمراً مقبولاً) وبدأت النساء يحصلن على مزيد من حقوقهن.
وفيما يتصل بالقضية الفلسطينية، فمن المُلاحَظ أن تشومسكي ليست له آراء معلنة في اليهودية واليهود، ولكن موقفه من الصهيونية يتسم بنوع من الازدواجية واللاتاريخية. فهو يرى أن الصهيونية حركة قومية ذات وجه إنساني لكن لها وجهاً آخر، فهي أيديولوجيا يتنازعها عنصران: أحدهما إيجابي والآخر سلبي. أما الجانب الإيجابي فهو مؤسسة الكيبوتس وهي الجانب الاشتراكي العالمي. وقد طوَّر المُستوطَن الصهيوني (يشير له تشومسكي بالمُصطلَح العبري «يشوف» وهو أمر له دلالته وينم عن النزعة اللاتاريخية) أكثر المؤسسات الاشتراكية نقاءً في العالم. وتُعدُّ نموذجاً مصغراً (مايكروكوزم) للبقاء الإنساني الذي يستحق الاحترام. ولكن الصهيونية لها أيضاً جانبها السلبي، وهو الجانب القومي الاستبعادي الرجعي الذي يُنكر وحدة البشر، ويؤكد بدلاً من ذلك وحدة الأمة وضرورة فصل اليهود عن بقية العالم بدلاً من دمجهم. وفي هذا الإطار يرى تشومسكي أن ثمة حقاً صهيونياً وأن الصراع العربي الإسرائيلي هو صراع حق في مواجهة حق آخر، وأن إسرائيل (في حدود ما قبل ١٩٦٧) تُجسِّد الحق المشروع لليهود الإسرائيليين في تقرير المصير. ولذا، فإن قيام الدولة الصهيونية الاستيطانية وحروبها عام ١٩٤٨ هي "حرب استقلال"، وهو يصف سياسات الدولة الصهيونية بأنها عنصرية شديدة التعصب، إلا أنه عارض قرار الأمم المتحدة بإدانة الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية. ويمكن القول بأن تشومسكي لا