للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذهب دوركهايم إلى أن الفرد، باعتباره كياناً مستقلاًّ حراً له ضميره الخاص، لم يكن له وجود في المجتمعات البدائية البسيطة. فالانحراف عن العقل (أو الضمير) الجمعي كان يُعاقَب عليه بشدة من خلال النفي والاستبعاد وأشكال العقاب المختلفة، ولذا يكون التضامن في هذه المجتمعات تضامناً آلياً (برانياً) يستمد قوته من الضمير الجمعي والقانون القهري (لا من قوة الضمير الشخصي) . ويَنتُج عن هذا الوضع التماثل أو التشابه بين الناس بصورة ملحوظة، وهو تماثل يُعبِّر عن وجود عواطف ومشاعر مشتركة، وعن مشاركة عامة في القيم والمعايير السائدة في المجتمع. وقد حدث تغيُّر في المجتمع البسيط الذي يستند إلى التضامن نتيجة تزايد عدد السكان والتموين والتصنيع، إذ أدَّى هذا إلى تراجع التضامن الآلي وتقويض الضمير الجمعي خلال تدهور العقيدة المشتركة وظهور الفردية. كما أدَّى اتساع نطاق تقسيم العمل (الذي يمتد ليشمل كل أشكال الحياة) إلى تزايد التباين بين الأفراد، وإلى اختفاء التشابه العقلي والنفسي والأخلاقي بينهم وذلك نتيجة زيادة الفردية، ويبدو ذلك واضحاً في تباين أذواق الأفراد ومعتقداتهم وآرائهم وأخلاقياتهم. ومن ثم يقل الدور الذي كانت تلعبه الوراثة في الحصول على المكانة الاجتماعية، وهكذا ينعدم التجانس في هذا المجتمع وتختفي القيم الدينية والأخلاقية المشتركة والممارسات القمعية التي تستند إلى الضمير الجمعي وهو ما يؤدي إلى ظهور حالة الأنومي (اللا معيارية) وانعدام التماسك (لحظة السقوط وغياب المطلق (.

<<  <  ج: ص:  >  >>