للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يهم إذا كان مصدر رؤية فرويد الحلولية يهودية أم لا، فقد تداخلت القبَّالاه اليهودية والقبَّالاه المسيحية بحيث لم يعد هناك فرق واضح بينهما. وقد تحول الاثنان باعتبارهما وحدة وجود روحية إلى وحدة وجود مادية، أي علمانية شاملة. ويظهر هذا في حلولية بومه وشبتاي تسفي وسويدنبرج الروحية، التي لا تختلف كثيراً عن حلولية إسبينوزا أو لايبنتز أو هيجل، الروحية المادية، التي هي في واقع الأمر وحدة وجود مادية ذات ديباجات روحية. فلا يوجد تناقض جوهري بين الحلوليتين، ويستطيع المثقف أن يكون حلولياً يهودياً مغرقاً في يهوديته أو حلولياً مسيحياً مغرقاً في مسيحيته. ولا يتناقض هذا مع كونه واحدياً مادياً (أي علمانياً شاملاً) مغرقاً في واحديته وماديته التي تُفصح عن نفسها من خلال ديباجات روحية.

وفي مدخل «التحديث كتفكيك» بيَّنا النزعة التفكيكية في المشروع التحديثي في الإطار الحلولي الواحدي المادي، وفي المداخل الخاصة باليهودية وما بعد الحداثة تناولنا تقاليد الهرمنيوطيقا المهرطقة بين المثقفين من أعضاء الجماعات اليهودية، وكيف أن المثقف اليهودي يمكن أن يكون تفكيكياً بسبب علمانيته ويهوديته، فلا يوجد تناقض بين الواحد والآخر. والحلول هو الحلول والتفكيك هو التفكيك سواء كانت الديباجات علمانية مادية أم قبَّالية «روحية» .

كل هذا يعني أن حلولية فرويد وماديته تنبع من الأرضية الحلولية الغنوصية الصلبة التي تنطلق منها كل الأيديولوجيات العلمانية، والديباجات اليهودية إن هي إلا ديباجات، فالبنية الحلولية الواحدية واحدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>