ولعل أكبر دليل على أن الحلولية الواحدية هي المنظومة الأساسية ذات المقدرة التفسيرية الأشمل وأن المنظومة الفرويدية إن هي إلا تعبير عن هذه الحلولية المادية (العلمانية الشاملة) ، أن هذه المنظومة انتشرت في كل أرجاء العالم بين اليهود وغير اليهود، وأصبحت عالمية غير مقصورة على وطن أو جماعة دينية أو إثنية بعينها. والمنظومة الفرويدية لا تختلف في هذا عن فكر تشارلز داروين أو مدرسة هلمهولتز، وهي مدارس أسسها مسيحيون، يُقال إن بعضهم كان معادياً لليهودية.
ولعل حالة يونج الذي عارض فرويد وأصبح من أهم أعدائه تُلقي كثيراً من الضوء على هذه القضية. فيونج المسيحي كان يعرف القبَّالاه اليهودية اللوريانية وكان معجباً بشكل خاص بفكرة أن الإنسان يساعد الإله في عملية رأب الصدع الذي نشأ أثناء عملية الخلق (تَهشُّم الأوعية) . وهذه العملية هي التي يُطلَق عليها في التراث القبَّالي اصطلاح «الإصلاح الكوني (تيقون) » . وكان يونج معجباً أيضاً بالمنظومة الغنوصية وتأثر بها ونشر بعض أهم النصوص الغنوصية واكتشف أن الأفكار الغنوصية هي في واقع الأمر الأفكار التي كد معظم حياته للوصول إليها. وتحمل منظومته كثيراً من ملامح المنظومات الغنوصية. وفكرة الرموز الأولية عنده تمثل السيولة الكونية حيث الإنسان واحد في كل زمان (الإنسان القديم) وكذلك تظهر الثنائية الجنسية في أفكاره عن الأنيما والأنيموس أو القرين الذكري للمرأة والقرينة الأنثوية للذكر. فرغم معارضته لفرويد ورغم العداء بينهما فإن الإطار المعرفي العام واحد، وهو الحلولية الكمونية الواحدية ذات الديباجات الروحية.