وجاء الإسلام لينظر باحترام إلى تعاليم التوراة الأصلية. وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتوقع ترحيب اليهودية ومساعدتهم للمسلمين لأنهم أهل كتاب، فعاملهم بانفتاح ووضع كتاباً بين الجماعة الإسلامية وبينهم في المدينة ينظم الشئون المشتركة ويوجب التساند في وجه الخطر الخارجي على وجه الخصوص ويجعلهم أمةً واحدة. ولكنهم سرعان ما وقفوا منه موقفاً اتسم بالسلبية ثم تدرَّج إلى المقاومة والتأليب، وأخذت المواجهة في البداية شكل الحرب الفكرية والدعاية المضادة. فقد تحدوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالمناقشات وطالبوه بالمعجزات، وأظهر أحبارهم التعنت في الجدل والأسئلة ثم تدرَّج الحال إلى الخصومة. بل لقد بلغ الأمر حد أن اليهود (وهم أصحاب عقيدة توحيد) أخبروا قريشاً أن عقيدتهم الوثنية أفضل من دين محمد، وهو تزييف واع للحقائق. وجاء التنزيل يلوم اليهود ويعنفهم ويتهمهم بتحريف الكلام عن مواضعه وتحوير التوراة والإضافة إليها. وحاول اليهود إثارة الشكوك في نفوس بعض المسلمين لزعزعة ثقتهم. وقد أشار القرآن الكريم إلى وجود اختلاف بين بني إسرائيل (واليهود) في فهم كتاب الله وتفسيره وإلى انقسامهم تبعاً لذلك شيعاً وأحزاباً، واتهموا ببغض المسلمين وبالإخلال في الأمانات (وثمة رأي يذهب إلى أن كلمة «بني إسرائيل» كما وردت في القرآن لا تشير بالضرورة إلى يهود الجزيرة العربية، وإنما تشير إلى اليهود في الماضي باعتبارهم أتباع العقيدة اليهودية) . وقد استمر اليهود في خصومتهم، وحاولوا إثارة الأحقاد القديمة بين الأوس والخزرج، كما اتصلوا بخصوم الجماعة الإسلامية وهو ما ولَّد أزمة سياسية.