للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولعل كل هذه السمات مجتمعة (ارتباط أعضاء الجماعات اليهودية بالنخبة الحاكمة، وحصولهم على حقوق ومزايا خاصة، واشتغالهم بالتجارة والربا) قد حددت علاقة أعضاء الجماعات اليهودية بالطبقات المختلفة في المجتمع، فعلاقتهم بالطبقات الثرية (الأمراء الإقطاعيين) لم تكن بكل وضوح علاقة صراع، ذلك لأنهم كانوا يحتاجون إلى اليهود رغم كرههم لهم وحقدهم عليهم نظراً لقربهم من الملك. أما الكنيسة، فقد ذكرنا موقفها المزدوج من اليهود. ويبقى بعد ذلك سكان المدن والفلاحون، أي ما يمكن أن نطلق عليه الشعب أو الجماهير. وقد كان هؤلاء ينظرون إلى اليهودي باعتباره العدو المستغل، فكان سكان المدن الذين يعملون بالتجارة، يجدون أن اليهود فئة تعمل في المجال نفسه ولكنها ليست خاضعة لسيطرتهم أو تنظيماتهم بل خاضعة للملك مباشرة، الأمر الذي أعطى اليهود حرية في الحركة لم يكن التجار المسيحيون أنفسهم يتمتعون بها. كما أن التجار المسيحيين كانوا خاضعين للأخلاقيات المسيحية وما تفرضه عليهم من حدود وقيود. على عكس التاجر اليهودي، الذي كان على استعداد دائم لأن يتجاهل هذه الأخلاقيات متى سنحت له الفرصة. أما الفلاحون والحرفيون، فكانوا يقعون ضحايا الربا اليهودي والنشاطات التجارية الأخرى التي اختص بها أعضاء الجماعات اليهودية. وكانت هذه الفئة من سكان المدن أعدى أعداء اليهود على عكس كبار المموِّلين والتجار في المدينة حيث لم يكن هؤلاء يخشون سطوة اليهود نظراً لضخامة حجمهم ونفوذهم. وكثيراً ما كانت تقع اضطرابات ضد الجماعات اليهودية في المدن ويقودها صغار المموِّلين والحرفيين. وقد كانت هذه الاضطرابات ذات طابع شعبي وكانت تنتشر بين جماهير لا تفهم طبيعة النظام ولا الطبيعة الملتوية وغير المباشرة لعملية الاستغلال. ولذلك، كان الرمز المباشر والواضح للاستغلال وأداته الملموسة هو اليهودي الذي كان أداة الطبقة الحاكمة في امتصاص غضب الجماهير. وكانت النخبة

<<  <  ج: ص:  >  >>