وفي العصور الوسطى، كان الوضع القانوني لأعضاء الجماعات اليهودية يُعدُّ مزية كبرى. فاليهودي لم يكن كالأقنان مرتبطاً بضيعة محددة أو مكان محدد، كما لم يكن كالنبلاء مرتبطاً بالأرض على الإطلاق، ولم يكن كرجال الدين مرتبطاً بالكنيسة. ولم تكن تحد من حركته عشرات القوانين المحلية المتناقضة. وقد أكد مرسوم الملك جون في إنجلترا (عام ١٢٠١) هذا الحق بوضوح تام. وكما قال أحد الكُتَّاب اليهود، كان بوسع اليهود أن يتنقلوا من مكان إلى آخر كالفرسان. ووصف كاتب آخر اليهودي في العصور الوسطى بأنه مثل مالك الأرض الذي فقد أرضه ولم يفقد حريته. ووفَّرت المواثيق لليهود الجو المستقر اللازم للقيام بالأعمال المالية والتجارية وحمتهم من هجمات الغوغاء وسكان المدن والحرفيين ومحاكم التفتيش والتعميد القسري والاتهامات المختلفة مثل تهمة الدم.
ولم يكن اليهود الجماعة الوحيدة التي تحصل على مواثيق، فاللومبارد والأرمن والحرفيون حصلوا كذلك على مواثيق تحدد حقوقهم وواجباتهم والمزايا التي يحصلون عليها. وكانت المواثيق تختلف من جماعة إلى أخرى، فالميثاق الذي كان يُمنَح لليهودي الغريب يختلف عن الميثاق الذي يُمنَح للحرفي المقيم. ولذا، لم يكن من الأمور المستغربة في المجتمع الأوربي الوسيط أن تُوجَد في المدينة أو القرية الواحدة عدة قوانين مختلفة، فالقوانين التي تنطبق على النبلاء كانت لا تنطبق مثلاً على الفلاحين. وكان نظام العقوبات يختلف كذلك من جماعة إلى أخرى.
ويمكن القول بأن المواثيق جعلت اليهود جماعة مميَّزة تتمتع بمستوى معيشي يفوق مستوى كثير من طبقات المجتمع الإقطاعي الغربي الأخرى. ولعل من أهم القرائن على ذلك أنه، رغم وجود ما يشبه المجاعة في أوربا في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، فلا يوجد أي ذكر لها في المصادر اليهودية، فقد كان اليهود يعيشون عيشة أرستقراطية جديرة بالتجار الدوليين.