للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن يجب الانتباه إلى أن تَميُّزهم هذا حوَّلهم إلى جماعة وظيفية وسيطة وإلى سلعة ممتازة وأداة إنتاج متقدمة راقية ومادة بشرية تمت حوسلتها تماماً، فاليهودي في نهاية الأمر كان ملكية خاصة للملك أو لأي شخص يعطيه المواثيق والمزايا. وتستخدم المواثيق عبارات تُضمر حق امتلاك اليهود، مثل «جودايوس هابيري judaeos habere» وتعني «حق امتلاك اليهود» أو «جودايوس تنيري judaeos tenere» أي «حق الاحتفاظ باليهود» ، وهي حقوق كان بإمكان الملك أن يبيعها للمدن أو للسلطات المحلية، تماماً مثلما تبيع إحدى المدن في الوقت الحاضر امتياز استغلال منجم أو مد طريق سكة حديدية. فاليهودي لم يكن عضواً في المجتمع وإنما كان شيئاً مملوكاً تُفرض عليه ضرائب، وكلما ازدادت الحقوق والمزايا التي كان يشتريها اليهودي ازدادت أرباح مانح الميثاق الذي كان يعتصر اليهودي عن طريق الضرائب وغيرها من الرسوم. كما أن عملية منح الميثاق كانت تدر على الملك عائداً ضخماً حيث كان يتعيَّن على أعضاء الجماعة شراؤها. وإذا نشأت حاجة إلى مزيد من المال، فإن هذه المواثيق كانت تُلغَى لبيعها لهم من جديد حيث لم تكن هناك أية قيود على مانحها كما كان بوسعه أن يبيع اليهود لمالك آخر يمكنه أن يعتصرهم بشكل أكثر كفاءة.

وكانت المواثيق الوسيلة التي استخدمها الملوك والأمراء لتحويل اليهود إلى أداة يمكنهم عن طريقها ضرب المدن التي كانت تحاول توسيع نطاق سيادتها واستقلالها، بل ضرب كل القوى الاجتماعية التي كان الملك يود التخلص منها أو كبح جماحها.

ولكل ما تقدَّم، نستطيع أن نقول إن أعضاء الجماعة اليهودية، برغم كل ما تمتعوا به من مزايا وما حققوا من ثراء، ظلوا مجرد إسفنجنة تُعتصَر أو قناة موصلة وأداة لضرب الآخرين. ولعل هذا يفسر عدم مساهمة اليهود في نشأة ما يُسمَّى «الرأسمالية الرشيدة» التي نشأت في صفوف الجماعات البرتستانتية في هولندا وإنجلترا.

<<  <  ج: ص:  >  >>