يتخلى اليهود (وكل أعضاء الأقليات الأخرى) عن خصوصيتهم اللغوية والثقافية والإثنية في الحياة العامة. وهذا هو المعنى الذي تضمنته عبارة «أن يصبح اليهودي مواطناً في الشارع، يهودياً في منزله» . وقد وصل هذا الخط قمته إبّان حكم الإرهاب (١٧٩٣ ـ ١٧٩٤) وهي المرحلة التي وصلت فيها عبادة العقل ذروتها، والتي شارك فيها أعضاء من الجماعة اليهودية، فأُغلقت كل دور العبادة المسيحية واليهودية باعتبارها تعبيراً عن خصوصيات غير طبيعية وانحرافاً عن فكرة الإنسان الطبيعي. ومُنعت الجماعة اليهودية من ممارسة بعض شعائرها باعتبار أنها لا تتفق مع العقل، وإن كان لم يرسل أي يهودي للمقصلة بسبب عقيدته.
ومَنحت الثورة أعضاء الجماعات اليهودية كل حقوق المواطنين، وحاولت دمجهم في المجتمع عن طريق فتح المدارس لأبنائهم، وتشجيعهم على التخلي عن تميزهم الوظيفي. وجاء في أحد قرارات الثورة «إن الحقوق هي حقوق تمنح للأفراد من أتباع العقيدة اليهودية، وليست للأقلية اليهودية باعتبارها جماعة متماسكة» ، وهو ما عبَّر عنه شعار «لليهود أفراداً كل شيء، ولليهود جماعة لا شيء» . وحاول الإشكناز من جانبهم الإبقاء على عزلتهم المتمثلة في القهال وفي رفض المؤسسات الحديثة التي أنشأتها الثورة. ففي عام ١٨٠٨، كان عدد الأطفال اليهود في اللورين والألزاس الذين يذهبون إلى المدارس الحكومية لا يزيد على ١٠%. ومما زاد المسألة اليهودية الإشكنازية تفاقماً، أن كثيراً من الفلاحين الفرنسيين (نحو ٤٠٠ ألف) الذين اشتروا أراضي كبار الملاك التي صادرتها الثورة اقترضوا الأموال اللازمة لإتمام هذه العملية من المرابين اليهود الذين بلغ عددهم ثلاثة أو أربعة آلاف مراب. ولكنهم عجزوا عن تأدية ديونهم، وهو ما جعل أعضاء الجماعة اليهودية محط السخط الشعبي في الفترة ما بين ١٨٠٢ و١٨٠٥. ومن هنا طرحت المسألة اليهودية نفسها على نابليون.