ويُلاحَظ أن ٦٧.٣% من يهود بولندا تركزوا في التجارة والتأمين والصناعة والحرف اليدوية مقابل ٢.٩% من البولنديين. وكان عدد التجار اليهود لا يزال ٢٠ ضعفاً مقارناً بعدد التجار غير اليهود. وتَملَّك اليهود ٧٤ ألف محل مقابل ١٢٣ ألف محل للبولنديين كافة. وكان ٧٦% من اليهود يعيشون في المدن ويشكلون ٣٠% من جملة سكان وارسو و٣٥.٥% من سكان لودز و ٣١.٥% من سكان لفوف.
وضمنت معاهدة الأقليات في يونية ١٩١٩، التي وقعها الحلفاء المنتصرون ومعهم بولندا، حقوق الأقليات الدينية واللغوية ونصت على مساواتهم ببقية المواطنين، كما أعطت اليهود الحق في إدارة مدارسهم. وتم ضم هذه المعاهدة إلى الدستور البولندي الصادر عام ١٩٢١. كما نص دستور عام ١٩٣٥ على تساوي المواطنين كافة أمام القانون. ولكن الحقوق السياسية تختلف في كثير من الأحيان عن الوضع المتعين، فقد ازداد الوضع الاقتصادي لليهود تدنياً وبدأت الفلسفات الشمولية تسيطر على نظم الحكم في أوربا بأسرها، وخصوصاً في ألمانيا. واستولى جوزيف بيلسودسكي على الحكم في بولندا عام ١٩٢٦ عن طريق انقلاب. ولم يكن هذا الانقلاب معادياً بالضرورة لليهود، فقد نص دستور عام ١٩٣٥ على تَساوي المواطنين كافة أمام القانون. ولكن الجو العام، والبنية الثقافية والاقتصادية للمجتمع، كانا يلفظان اليهود، فظهر حزب بولندي متطرف ذو توجهات نازية طالب بمصادرة أموال اليهود وطردهم، وأصبح البرلمان البولندي نفسه منبراً لترديد الدعاية المعادية لليهود كعنصر غريب فائض يجب اجتثاثه من المجتمع البولندي. وزاد النشاط الاقتصادي للطبقة الوسطى البولندية في الثلاثينيات، وحاولت أن تحصل على نصيب متزايد من التجارة والمهن، وقامت بحركات مقاطعة للأعمال التجارية التي يمتلكها يهود بولندا وقفت وراءها الدولة. ولأن عملية التنمية في بولندا كانت تتم من خلال الدولة، أكبر ممول رأسمالي آنذاك، فإن عملية تضييق الخناق على أعضاء الجماعة