وقد صدرت عام ١٨٨١ قوانين مايو التي منعت إنشاء أية مستوطنات خارج مدن منطقة الاستيطان، وتقرر أن اليهود الذين يعيشون في بعض قرى منطقة الاستيطان يحق لهم السكنى في هذه القرى دون غيرها. وأُعطي الفلاحون حق طرد أعضاء الجماعة اليهودية الذين يعيشون بين ظهرانيهم. وأحياناً كان يُحظَر على اليهود الإقامة في بعض المدن، مثل روستوف ويالطا، كما طُرد آلاف الحرفيين اليهود من موسكو إلى منطقة الاستيطان. وكانت هذه القرارات تعبيراً عن تَعثُّر التحديث في روسيا. وقد بُدئ في تخفيف حدة هذه القيود ابتداءً من عام ١٩٠٣ بسبب الضغوط على الحكومة الروسية، فصُرِّح لأعضاء الجماعة اليهودية بالاستيطان في بعض القرى التي اكتسبت شكلاً حضرياً، وصدرت تعليمات عام ١٩٠٤ تصرِّح لهم بالاستيطان خارج مناطق الاستيطان، وأيضاً بالاستقرار في المناطق الزراعية الواقعة في نطاق هذه المناطق.
وقدَّمت العناصر الديموقراطية في الدوما (البرلمان) الروسي عام ١٩١٠ مشروع قرار لإلغاء منطقة الاستيطان، ولكن العناصر الرجعية وقفت ضده، وأُلغيت المنطقة نهائياً بعد الثورة البلشفية.
والواقع أن تاريخ التجمع اليهودي، داخل منطقة الاستيطان، من أهم فصول تجربة يهود شرق أوربا في القرن التاسع عشر، وذلك للأسباب التالية:
١ ـ لاقى التجار والحرفيون اليهود منافسة شديدة من التجار والحرفيين المحليين، كما أن التحولات الاجتماعية التي كان يخوضها المجتمع الروسي أدَّت إلى تحوُّل أعداد كبيرة من اليهود إلى أعضاء في الطبقة العاملة. ولعل هذا التطور كان مهماً للغاية من منظور عملية الدمج والتدريب التي قامت بها الحكومة السوفيتية فيما بعد.
٢ ـ كانت الأوضاع الاجتماعية السيئة، التي صاحبت التآكل في القيم التقليدية اليهودية، من العناصر الأساسية التي جعلت أعضاء الجماعة اليهودية مرتعاً خصباً للأفكار الثورية والحركات القومية العلمانية.