للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- والتعريفات السابقة للعلمانية لم تعطها صفة العالمية والشمول، كما قلَّصت من نطاقها لتشير إلى المجال السياسي، وربما الاقتصادي، ولم تمتد بأية حال لتشمل المجالات الأخرى للحياة (الحياة الخاصة ـ القيم الأخلاقية ـ القيم الدينية) ومن ثم فهي تعريفات لعلمانية جزئية لا تشمل كل جوانب الواقع ولا كل تاريخ البشر، وتسمح بوجود حيز غير علماني (مطلق ـ كلي ـ نهائي ـ غائي ـ غير مادي) يسمح بانفصال الإنسان عن الطبيعة وبإمكانية تجاوزه لها، ويترك مجالاً واسعاً للمطلقات الإنسانية الأخلاقية والدينية، ولفكرة الجوهر والكليات، بل لقدر من الميتافيزيقا. ولذا فهذه العلمانية تتسم بقدر من الثنائية (غير المادي مقابل المادي ـ الإنساني مقابل الطبيعي ـ المطلق مقابل النسبي ـ الأخلاقي مقابل غير الأخلاقي ـ الكلي مقابل الجزئي ـ الثابت مقابل المتغير) كما تتسم بقدر من التعددية الحقيقية ولا تتبنَّى النماذج الواحدية الساذجة. بل يمكن القول بأن المرجعية النهائية للعلمانية الجزئية هي عادةً مرجعية غير مادية، لأن الرؤية المادية الحقة لا تقبل التجزئة ولا الثنائية ولا التجريد ولا تجاوز سطح الحركة الدائمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>