٣ ـ ولهذا السبب نجد مفكراً علمانياً بارزاً مثل الدكتور فؤاد زكريا يصف العلمانية بأنها "الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة" ويلتزم الصمت بشأن مجالات الحياة الأخرى (الاقتصاد ـ الأدب ـ الجنس ... إلخ) . ولكن الدكتور فؤاد زكريا في كتيبه المهم المعنون في النموذج الأمريكي يصف المجتمع الأمريكي بأنه "مجتمع مادي"، بل من "أكثر المجتمعات مادية في عالمنا المعاصر" التي تُعرِّف الإنسان باعتباره كائناً "لا يعمل إلا من أجل المزيد من المال، ومن الأرباح، ومن المستوى المادي المرتفع". يرفض الدكتور فؤاد زكريا هذه المادية العدمية التي تودي بالإنسان ويضع مقابلها "القيم الإنسانية والمعنوية"، ثم يطرح رؤية للإنسان مختلفة عن الرؤية المادية التي تهيمن على المجتمع الأمريكي. فما يحرك الإنسان ـ حسب هذه الرؤية الإنسانية ـ "ليست الماديات وحدها ... لأن في الإنسان قوى تعلو على السعي المباشر إلى الكسب والاقتناء"، أي تعلو على المادية. ويبدو أن هذه هي المرجعية الثنائية التي تجعل من الإنسان إنساناً.
٤ ـ ويذهب محمود أمين العالم إلى أن العلمانية ليست مجرد فصل الدين عن الدولة وإنما هي "رؤية وسلوك ومنهج". وهذه الرؤية "تحمل الملامح الجوهرية لإنسانية الإنسان وتعبِّر عن طموحه [الثنائي] الروحي والمادي للسيطرة على جميع المعوقات التي تقف في طريق تقدمه وسعادته وازدهاره". كل هذا يعني أن علمانية د. العالم لا تسقط في النسبية والعدمية ولا ترفض فكرة الكل والجوهر والروح والمطلق. في هذا الإطار لا غرو أن الأستاذ العالم يرى أن العلمانية لا تُعارض الدين "بل لعل العلمانية تكون منطلقاً صالحاً للتجديد الديني نفسه بما يتلاءم ومستجدات الحياة والواقع".