ويُلاحَظ أن القطاع التجاري والصناعي في أمريكا اللاتينية قطاع أجنبي بالدرجة الأولى، فقد كان رأس المال أجنبياً وكذلك كان العمال المهرة. وفي الأرجنتين، على سبيل المثال، كان ٨٠% من قطاع الصناعة والتجارة في أيد أجنبية عام ١٨٩٥. وفي عام ١٩٥٩، كان ٤٥.٥% من مجموع المستثمرين من الأجانب، ونسبة عالية من الباقين كانوا من مواليد الأرجنتين ولكن من أبوين مهاجرين. ولذا، لم يكن اتجاه اليهود نحو هذين القطاعين غريباً.
وقد كان القطاع التجاري، كما أسلفنا، يتسم بالتخلف. ومن ثم، اعتمدت مناطق واسعة في الأرجنتين على تصدير محاصيلها وموادها الخام. ولكن هذه المناطق كانت، مع هذا، تضم عدداً لا بأس به من السكان محدودي الدخل تتزايد تطلعاتهم الاستهلاكية، وخصوصاً بعد أن بدأوا يختلطون بالمهاجرين الذين أحضروا أنماطاً استهلاكية غير مألوفة، أي أن احتياجات بشرية جديدة ظهرت وكان لابد من الوفاء بها. وهنا يأتي دور الجماعة الوظيفية المالية الوسيطة لأن التاجر الأرجنتيني المحلي لم يكن يتاجر إلا في البضائع المستوردة الفاخرة مرتفعة الثمن وهو ما جعلها مقصورة على الأغنياء بعيدة عن متناول الفقراء. كما لم يكن التاجر الأرجنتيني يقدم أية تسهيلات ائتمانية لزبائنه إذ كان عليهم أن يدفعوا الثمن نقداً.