وداخل هذا الإطار، لعب أعضاء الجماعات اليهودية دوراً ريادياً مهماً، فهم ككل الجماعات المهاجرة يتسمون عادةً بعدة سمات من بينها تحرُّرهم النسبي من التقاليد والقيم، أية تقاليد وأية قيم. وهم لا يدينون بالولاء للقيم الأخلاقية أو الدنيوية للمجتمع. ولذا، فهم يشكلون عنصراً ريادياً، كما أنهم يأتون بخبرات تجارية ومالية ليست متوافرة في المجتمع المضيف بفضل ميراثهم الاقتصادي. ففي بلادهم الأصلية، أساساً روسيا، كانوا يعملون باعة جائلين يتاجرون في السلع الرخيصة ويتحملون من المخاطر ما لا يتحمله التاجر المحلي المستقر، ويصلون إلى الأماكن التي لا تصل إليها ذراع المؤسسات الاقتصادية الحديثة. وقد جاءوا دون أي رأسمال أو جاءوا برأسمال صغير لا يُذكَر، ولكنهم كانوا يملكون مجموعة من المهارات غير المتوافرة في المجتمع، ولهذا اتجهوا نحو البحث عن مجالات جديدة في الصناعة والتجارة لا تحتاج إلى رأسمال كبير بقدر ما تحتاج إلى مهارات خاصة. وقد كان من بين المهاجرين عمال في صناعة الملابس ونجارون وصناع أثاث وجواهرجية وصناع ساعات وعمال بناء وصناع أحذية وقبعات وخبازون. فتركزوا في إنتاج هذه السلع، وارتادوا كل الأسواق، ووصلوا إلى قطاع محدودي الدخل، وخصوصاً أنهم كانوا على استعداد للبيع بالتقسيط. وقد كان كثير من التجار المتجولين حرفيين في بلادهم، فكانت العملية الاقتصادية تبدأ بصناعة السلع في المنزل داخل إطار الاقتصاد المنزلي والصناعة المنزلية حيث يقوم أعضاء الأسرة بعملية التصنيع بأنفسهم. وقد أسهم التاجر اليهودي المتجول في زيادة الإقبال على السلع الاستهلاكية والترفية، فوسَّع نطاق السوق وحجم الطلب، وهو ما ساهم في تنشيط اقتصاديات المنطقة التي يرتادها. وكان هذا واضحاً في الأرجنتين على سبيل المثال. ولكن، بطبيعة الحال، زاد هذا النشاط أيضاً حسد الوسطاء الآخرين الذين ألفوا الطرق التقليدية في التسويق. وقد كان هناك بعض أعضاء