وحينما نشبت ثورات الاستقلال والتحرر الوطني بعد ذلك، تمت هذه الثورة بقيادة طبقة الكريول الإسبانية التي كانت تؤمن بالقيم القديمة نفسها ولم تتقبل مُثُل عصر العقل. ولذا، سادت المُثُل الإقطاعية حتى بعد أن اختفت تماماً في أوربا، وظلت لليهودي المكانة الرمزية نفسها التي كان يحتلها كغريب في أوربا في خلال العصور الوسطى، وظل التراث القديم مسيطراً. وحتى حينما أُعلن فصل الدين عن الدولة، ظل البُعْد الكاثوليكي قوياً للغاية على المستوى الثقافي، فقد لعبت الكاثوليكية دوراً قوياً في الحركات القومية كما لعبت بعد ذلك دوراً قوياً في الحركات اليسارية.
وهكذا، يمكن القول بأن مجتمع الولايات المتحدة مجتمع منفتح جديد لا ينوء بثقل أي تراث أو ذاكرة تاريخية. ولذا، كان متاحاً لجماعات المهاجرين فيه، ومنهم اليهود، أن تكوِّن جماعات ضغط داخل النظام طالما أنها قبلت قيم وقوانين اللعبة الخاصة به، وأن تؤثر فيه وفي قراراته من خلال الانتخابات. بل أمكنها أيضاً دخول النخبة، وهو الأمر الذي لم يتيسر تحقيقه في مجتمعات أمريكا اللاتينية المغلقة بدونهم. وكانت الولايات المتحدة تشكل ظاهرة فريدة تماماً بالنسبة لأعضاء الجماعات اليهودية فهي لم تصدر أية تشريعات خاصة لإعتاقهم، فمُثُل الإعتاق والاستنارة كانت سائدة قبل وصولهم بأعداد كبيرة. ولذا، فإنهم لم يحاربوا قط من أجل استصدار أية تشريعات. ومن ثم، كانت الولايات المتحدة هي الجولدن مدينا، أي البلد الذهبي، ولم تُستخدَم قط كلمة «منفى» للإشارة إليها، فهي وطن قومي ثان وربما أول للمهاجرين من أعضاء الجماعات اليهودية.