٣ ـ ومما دعم نقطتي الاختلاف السابقة نوعية المادة البشرية المهاجرة التي أسست كلا المجتمعين، فالمهاجرون إلى أمريكا الشمالية هاجروا إليها بعد أن كانت أوربا قد خاضت حركة الإصلاح الديني والثورة التجارية والصناعية، وبعد أن كانت الحروب الدينية قد أضعفت هيبة الكنيسة تماماً. كما أنهم كانوا من العناصر البروتستانتية المتطرفة (البيوريتان) التي رفضت مجتمعاتها وأتت لتأسيس مجتمع جديد على أسس جديدة.
ويقف هذا على النقيض من مجتمعات أمريكا اللاتينية التي بدأت تجربة الاستيطان فيها داخل إطار كاثوليكي إقطاعي، وتمت تحت رعاية التاج الإسباني أو البرتغالي. وانتقل إلى المجتمع هرم القيم السائد في المجتمع الإسباني أو البرتغالي، وكانت العناصر المهاجرة مضطرة إلى قبول هذا الهرم. كما أن المهاجرين الذين قاموا بتأسيس مجتمعات أمريكا اللاتينية لم يكونوا من العناصر التي رفضت المجتمع الإسباني أو البرتغالي الكاثوليكي، وإنما كانوا من العناصر الأرستقراطية التي رفضها هذا المجتمع، أو بتعبير أدق من العناصر التي فشلت في تحقيق الحراك داخله بسبب قوانين الميراث الإقطاعي فحاولت أن تحقق الحراك الاجتماعي خارجه، وذلك لتحقيق درجة أعلى من الانتماء إليه. وحينما بدأت موجات الهجرة الضخمة، كان المهاجرون من دول كاثوليكية أساساً. وكل هذا كان يعني، بطبيعة الحال، مزيداً من الانغلاق والتجانس، وبالتالي مزيداً من استبعاد اليهود.