وإذا كانت الصهيونية قد حوَّرت اليهودية الأمريكية وأعادت تعريفها ووظفتها لصالحها، فإن يهود الولايات المتحدة أنجزوا شيئاً مماثلاً بالنسبة للصهيونية، ذلك لأن صهيونيتهم صهيونية توطينية، ومن هنا الحديث عن «يهودية دفتر الشيكات» حين يعبِّر اليهودي عن يهوديته عن طريق إجزال العطاء للمُستوطَن الصهيوني، دون أن يفكر قط في الهجرة. بل إنهم طوروا الأسطورة الصهيونية، فلم تَعُد صهيون أرض الميعاد، البلد الذي يحنون ويهاجرون إليه، وإنما أصبحت «مسقط الرأس» تماماً مثل أيرلندا بالنسبة للأمريكيين الأيرلنديين وإيطاليا للأمريكيين الإيطاليين، فهم يهود بشرطة (بالإنجليزية: هايفنيتيد جوز hyphenated Jews) أي أمريكيون/يهود. والوطن الأصلي هو المكان الذي يهاجر منه الإنسان لا إليه، أي أن يهود الولايات المتحدة قد قلبوا الأسطورة الصهيونية رأساً على عقب وفرغوها من مضمونها القومي الاستيطاني وأعطوها مضموناً غير صهيوني، بل معادياً للصهيونية، تماماً مثلما فرغ الصهاينة اليهودية من مضمونها الديني وأعطوها مضموناً قومياً! فكأن الأمر يتعلق بدين دون محتوى ديني، وقومية دون محتوى قومي.