للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت القداسة هي الصفة الإلهية التي تفصل الإله (المطلق) عما هو غير مقدَّس (دنيوي ونسبي) ، فإن الشعب اليهودي قد سرت فيه هذه القداسة وأصبح يتسم بهذا الانفصال حينما عقد الإله العهد معه. وبذلك، انقسم العالم بأسره داخل إطار الحلولية الثنائية الصلبة إلى قسمين: اليهود المقدَّسين الذين يعيشون داخل دائرة القداسة، والأغيار الذين يعيشون داخل التاريخ فقط وخارج دائرة القداسة. والأرض التي يقطنها الشعب اليهودي، صهيون أو إرتس يسرائيل، أصبحت هي الأخرى الأرض المقدَّسة التي لا تسري عليها القوانين التاريخية النسبية العادية. كما أن تاريخ هذا الشعب يصبح أيضاً تاريخاً مقدَّساً تختلف بنيته ومساره وقصده عن التواريخ الإنسانية إذ يتسم بالحلول الإلهي فيه.

ولكل هذا، نجد أن المسافة بين الإله والإنسان وبين الواقع والمثل الأعلى تختفي تماماً ويحل محلها الحوار (الديالوج) الدائر بين الإله والشعب. والإله المقدَّس لا يختلف كثيراً عن الشعب المقدَّس، فهو يوحي إلى الشعب بما يريد أن يسمع. وهو قد اختارهم لأنهم اختاروه كما جاء في التلمود، وكما يقول بن جوريون. وحينما ذهب الشعب المقدَّس إلى سيناء، فإنه كان يحمل روح الشريعة المقدَّسة التي تلقاها من الإله، كما يقول مارتن بوبر، أي أن روح الشعب والقداسة هما شيء واحد. والقداسة نفسها تسري على مؤسسات اليهود الدنيوية القومية كافة أو تحل فيها. إن نسل الملك داود مقدَّس إذ أن الماشيَّح سيكون من بينهم. واللاويون مقدَّسون منفصلون عن بقية الشعب لأنهم من سبط الكهنة. ويوم السبت مقدَّس لأنه اليوم الذي استراح فيه الإله بعد خلق العالم في ستة أيام، وهو أيضاً اليوم الذي خرج فيه اليهود من مصر، ولذلك فهو منفصل عن بقية أيام العمل العادية. واللغة العبرية هي اللسان المقدَّس (لاشون هقودش) .

<<  <  ج: ص:  >  >>