ويصل حد خلع القداسة على كل شيء قومي إلى درجة أن التلمود (تفسير العلماء اليهود للعهد القديم) يصبح أكثر قداسة من العهد القديم (الكتاب المقدَّس) نفسه. بل إننا نكتشف، من خلال قراءتنا في التراث الديني اليهودي، أن الحوار بين الإله والشعب يصل إلى درجة أن قداسة الإله تصبح من قداسة الشعب، وليس العكس. فقد جاء في أحد كتب المدراش:"حينما تنفذ يسرائيل إرادة الإله، فإنها تضيف إلى إرادة الإله في الأعالي، وحينما تعصى يسرائيل إرادة الإله فكأنها تضعف القوة العظمى للإله في الأعالي". ويفسِّر أحد كتب المدراش فقرة من إصحاح أشعياء (٤٣/١٢) : «وأنتم شهودي ـ يقول الرب، وأنا الإله» ، وذلك على النحو التالي:"حينما تكونون شهودي أكون أنا الإله، وحينما لا تكونون شهودي فأنا (كأنني) لست الإله". فكأن ألوهية الإله، بل وجوده، لا يتجاوز الإرادة والوجود اليهوديين.
وفي تراث القبَّالاه، وصل الإيمان بقداسة الشعب إلى أشكال في غاية التطرف إذ ذهب بعض القبَّاليين إلى أن اليهود قد خُلقوا من طينة مقدَّسة مختلفة عن الطينة التي خُلق منها الأغيار. وبالتالي، تكون أفعال اليهود كلها مقدَّسة لأنها تساهم في عملية إصلاح الخلل الكوني (تيقون) التي يستعيد الإله من خلالها ذاته وكذلك الشرارات الإلهية المشتتة.
ومن خلال مفهوم الشرارات الإلهية المبعثرة، توصَّل الشبتانيون إلى أن القداسة توجد في الخير وجودها في الشر إذ أن الشرارات الإلهية قد علقت بكل شيء، ومن ثم فإن القداسة شملت كل شيء وأصبحت المبدأ الواحد الذي يسري في الكون ويتخلل ثناياه وبرزت فكرة الخطيئة المقدَّسة (أساساً في الحركة الفرانكية) التي تذهب إلى وجوب الانغماس في الرذيلة حتى يمكن الصعود إلى القداسة. وقد تبدَّى هذا في مفهوم الخلاص بالجسد.