وديللا ميراندولا، شأنه شأن فيشينو، كان يرى أن أفلاطون تعلَّم الحكمة من الكتابات الهرمسية والزرادشتية والأورفية وغيرها من المصادر الشرقية. فالأفلاطونية بالنسبة له (وكما هو الحال بالنسبة لكثير من كُتَّاب عصر النهضة) هي في واقع الأمر أفلوطينية غنوصية. وتوجُّهه الحلولي يُفسِّر اهتمامه العميق بالهرمسية وبالكتابات القبَّالية اليهودية. وقد لاحظ ديللا ميراندولا التشابه بين الكتابات الهرمسية والقبَّالاه في فكرة الخلق من خلال الكلمة، فزاوج بين هذه الكتابات والقبَّالاه، فبدأ بذلك التقاليد الهرمسية/القبَّالية والحلولية الكمونية الواحدية التي تجمع بين اليهودية والمسيحية وأية عقيدة توحيدية أو وثنية حديثة أو قديمة (وهذا هو جوهر فكرة اللاهوت القديم) . ولكن ديللا ميراندولا هو أول عالم مسيحي يستخدم أدبيات القبَّالاه اليهودية وإطارها المعرفي في تفسير النصوص المقدَّسة وفي رؤيته للعالم. بل كان ديللا ميراندولا يؤمن بأن الكتابات القبَّالية تحتوي على معرفة سرية ثمينة، فالقبَّالاه في تصوُّره تنبع من روايات شفوية قديمة موغلة في القدم تعود إلى أيام موسى (كان الظن السائد في عصر النهضة أن موسى وهرمس هما شخص واحد أو أن أحدهما تعلَّم من الآخر) ، ولذا فالقبَّالاه ـ بالنسبة له ـ كانت ذات حجية تماثل حجية كتابات هرمس وزرادشت والكتاب المقدَّس. بل يمكن القول بأن القبَّالاه، لأنها «أصلية» ، أقدم من الكتاب المقدَّس. ولأنها سرية، بمعنى أنها تحمل المعنى الباطني بشكل مباشر، ولذا فهي أكثر حجية من الكتاب المقدَّس نفسه. وقد حاول ديللا ميراندولا أن يُبيِّن أنه لا يوجد أيُّ فارق واضح بين القبَّالاه واللاهوت المسيحي (شأنها في هذا شأن العهد القديم) . وأنه يمكن النظر للقبَّالاه باعتبارها رؤية تُبشر بالعقيدة المسيحية وبرهاناً على صدقها. وقد وضع بذلك الأساس للقبَّالاه المسيحية التي دافع عنها كثير من المفكرين المسيحيين في القرن