للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السادس عشر وبعد ذلك.

ويتضح أثر القبَّالاه في بيكو ديللا ميراندولا في تفسيره للعهد القديم، فهو يستخدم التفسيرات الرقمية (الجماتريا) ويستخلص المعنى الباطني من النص بأن يُحل كلمة محل أخرى، شريطة أن تكون قيمتهما الرقمية واحدة. كما أنه يعطي الكتاب المقدَّس معاني تتماثل مع أجزاء الكون المختلفة (وثمة تقابل بين العالم وجسد الإنسان في القبَّالاه، وهنا أصبح التقابل بين العالم والكتاب المقدَّس) . ويُلاحَظ هنا كيف أن الحلولية أصبحت النقطة التي تلتقي فيها اليهودية بالمسيحية ويذوبان سوياً (مع أية تيارات وكتابات دينية أخرى) ويصبحان ديانة طبيعية علمانية واحدة!

وتظهر رؤية ديللا ميراندولا الحلولية في رؤيته للإنسان والكون، فالطبيعة بالنسبة له هي كلٌ متصل تسري فيه الحياة (كما هو الحال عند جيوردانو برونو) ، وأجزاء الكون هي أجزاء من الكل الكوني وحسب ليس لها وجود مستقل، والإنسان جزء لا يتجزأ من الكون تسري فيه القوة الكونية.

هذه الرؤية الحلولية تترجم نفسها دائماً إما إلى تمركُّز حول الموضوع (تأليه الطبيعة) أو تمركُّز حول الذات (تأليه الإنسان) . وهي تأخذ الشكل الثاني في حالة بيكو ديللا ميراندولا. فالإنسان، لأنه جزء من الكون تسري فيه القوى الكونية، قادر على اختراق كل طبقات السماء من خلال قواه ليصل إلى المصدر الإلهي لكل الحياة. وهو، لهذا، يستطيع إعادة صياغة العالم وإعادة صياغة ذاته، فالإنسان يمكنه أن يصبح ما يريد وأن يشغل المكان الذي يريد في الكون حسب مقدرته ومن خلال معرفته الغنوصية (كان ديللا ميراندولا يؤمن تماماً بالمقدرات السحرية للنصوص القبَّالية والغنوصية) .

<<  <  ج: ص:  >  >>