وهذا أيضاً هو الموضوع الأساسي في مقال خوزيه أورتيجا يي جاسيت (١٨٨٣ ـ ١٩٥٥)"تجريد الفن من الخصائص الإنسانية". فهو يرى أن الفن الغربي (حتى القرن التاسع عشر) كان يتعامل مع الواقع المعاش، ولذا كان ممتلئاً بمضمونه الإنساني، وكانت الأفكار الفنية تشير إلى أشياء في عالم الطبيعة. أما في القرن العشرين، فقد جُرِّد الفن من خاصيته الإنسانية وأصبح فناً غير إنساني، لا لأنه لا يحتوي على أية سمات إنسانية وإنما لأنه متجرد بشكل واع من أية خاصية إنسانية. وتظهر لا إنسانية هذا الفن في تحاشيه الأشكال الحية (بل اشمئزازه منها، وهو ما يُعبِّر عن اشمئزاز كامل من الحضارة الإنسانية بأسرها) . وفي محاولة تحاشي أي مضمون إنساني أو حي، أصبح الفن يشبه اللعبة التي لا تخضع إلا لقوانينها هي. وهذا الفن لا يتعامل مع موضوعات الإنسان الكبرى وإنما هو فن صغير يرفض المحاكاة ويلجأ للرموز المغلقة ولكشف عناصر المفارقة. وهذا الفن لا رسالة له بل يؤكد أنه ليست له أية نتائج ذات طابع متجاوز. والسمة الأساسية هنا هي تراجع ما هو إنساني ومتعيِّن وحي وظهور ما هو نمطي شيئي مجرد، غير إنساني، واحديّ ماديّ.
إزاحة الإنسان عن المركز
«إزاحة الإنسان عن المركز» ترجمة للعبارة الإنجليزية «دي سنترينج مان decentering man» وهي عبارة تتواتر في الخطاب ما بعد الحداثي والتي تعني أن الإنسان قد وضع نفسه في مركز الكون وفرض نفسه كمرجعية نهائية عليه، دون وجه حق، ولذا تجب إزاحته عن المركز تماماً، بحيث يصبح مركز الكون إما الطبيعة/المادة وأية تنويعات عليها (في مرحلة الواحدية الموضوعية المادية الصلبة) ، أو يصبح الكون بلا مركز (في مرحلة السيولة الشاملة (.