ومع عصر النهضة وظهور المرجعية المادية الكامنة تمت علمنة معنى الاغتراب، فاغتراب الإنسان هو اغترابه عن ذاته وجوهره الإنساني وعن إمكانياته الإنسانية وعن الآخرين (المجتمع) . فالاغتراب في فلسفة هوبز مسألة خاصة بعلاقة الفرد بالمجتمع. فحالة الطبيعة هي حالة تربص ذئبية كاملة ولا يستطيع الإنسان أن يحقق أمنه وبقاءه (الحالة الإنسانية) إلا من خلال الدولة/التنين، فكأن الإنسان يمكنه أن يتجاوز الاغتراب من خلال الدولة العلمانية. أما روسو فقد رأى أن الاغتراب هو انقطاع الإنسان عن طبيعته الأصلية التي يمكن أن تكون إما أصوله البدائية أو طبيعته الجوهرية الثابتة، والتغلب على الاغتراب هو العودة إلى هذا الجوهر (الثابت أو البدائي) . ولعل طرح هيجل للموضوع هو أهم الأطروحات الحلولية الكمونية العلمانية. فالاغتراب عنده هو انفصال الجزء عن الكل، ويحدث هذا عندما يقوم العقل المطلق (الفكرة المطلقة ـ الإله) بخلق الطبيعة والإنسان، فهو بذلك قد طرح جزءاً منه خارجه وأصبح هذا الجزء غريباً عنه (وهذا ما يُسمَّى باغتراب الوعي عن عالم الطبيعة والأشياء الطبيعية، وانقسام الذات عن الموضوع) والخلاص هو عملية إنهاء الغربة وحالة النفي. وهي حالة لا يستطيع الإله أن يقوم بها إذ لابد للإنسان أن يقوم بها فيعيد للإله (العقل المطلق) سيطرته على الطبيعة من خلال فهمه لها وسيطرته عليها وتوحده بها (التوصل للغنوص) بحيث تصبح الذات موضوعاً والعقل واحداً مع الطبيعة، أي أن العقل المطلق يستعيد الطبيعة من خلال فهم العقل المتناهي (الإنسان) لها والسيطرة عليها. وليس التاريخ سوى محاولة الإنسان الدائبة أن يتعرف على الطبيعة ومن ثم تنمية وعيه بالمطلق.