ويمكن أن نضيف إلى كل هذا اكتشاف الفرد تفاهة الحلم أو المثل الأعلى الذي يسعى إلى تحقيقه. ففي المجتمعات الاستهلاكية، كثيراً ما يقوم الفرد بعملية قمع هائلة لإنسانيته وتلقائيته ويحقق النجاح المنشود ويصل إلى الفردوس الأرضي ويحقق الثراء ويمتلك كل ما يفترض فيه أنه سيحقق السعادة له (منزلاً كبيراً ـ منزلاً صيفياً ـ قارباً ـ سيارتين ـ زوجة ـ طفلين ـ كلب.. إلخ) . ولكنه يكتشف أن ثمة فراغاً في حياته، وأنه لا يمارس أي إشباع روحي رغم النجاح المادي الكامل (فالنجاح لم يحقق جوهره الإنساني المتكامل المركب المتجاوز) . وهنا يصاب المرء بحالة الأنومي، فيتمرد على وضعه بأن يقرر أن يجرب الفشل بدلاً من النجاح، والفقر بدلاً من الثراء، والحياة البوهيمية بدلاً من الانضباط الشديد الذي أدى إلى نجاحه.
ويمكن أن نطور المصطلح ليكتسب بُعداً معرفياً ونقول إن اللامعيارية إمكانية كامنة في النماذج المادية التي تطمح لأن يولِّد الإنسان المعيارية إما من عقله أو من الطبيعة/المادة. ومن خلال التطور يكتشف الإنسان أن عقله بدون مرجعية يدور حول ذاته ويُقدس القوة وأن الطبيعة/المادة هي حركة بلا غاية أو هدف ومن ثم لا تَصلُح مصدراً للمعيارية. ومن ثم يتم الانتقال من العقلانية المادية إلى اللاعقلانية المادية ومن التحديث والحداثة إلى ما بعد الحداثة، واللامعيارية هي جوهر ما بعد الحداثة.