للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عاشت اليهودية في كنف عدة حضارات تأثرت بها وشكَّل بعضها تحدياً لها ولقيمها. فقد تحركت اليهودية (أو العبادة اليسرائيلية إن توخينا الدقة) داخل التشكيلات الحضارية المختلفة في الشرق الأدنى القديم وتأثرت بها وتبنَّت رموزها وقيمها. ومن الواضح مثلاً أن العبرانيين استوعبوا فكرة التوحيد من المصريين القدماء. ثم حَدَث التغلغل العبراني في كنعان وحدثت المواجهة الأولى مع الحضارة الكنعانية وحدثت المواجهة الثانية مع الحضارة البابلية. وقد أدَّت هذه المواجهات إلى أن النسق الديني السائد بين العبرانيين قد استوعب الكثير من العناصر الدينية والثقافية من هاتين الحضارتين (ثم من الحضارة الفارسية) وهو ما أدَّى إلى تزايد تركيبها الجيولوجي التراكمي. ولكن المواجهات الثالثة والرابعة والخامسة، مع الحضارة الهيلينية والإسلامية ثم المسيحية على التوالي، كانت أكثر حدة، وأدَّت إلى ما يشبه الأزمة في حالة المواجهة مع الحضارة الهيلينية إذ دخل كثير من الأفكار اليونانية على النسق الديني اليهودي. وتأغرقت النخبة، وأدَّى هذا إلى التمرد الحشموني في نهاية الأمر وإلى انتشار المسيحية وتنصُّر أعداد كبيرة من أعضاء الجماعات. أما المواجهة مع الإسلام والمسيحية فقد أدَّت إلى تطوير التلمود الذي كان بمنزلة السياج الذي فرضه الحاخامات على أعضاء الجماعات ليحموا هويتهم الدينية والإثنية. وكان الاحتجاج القرائي تعبيراً عن واحدة من أهم أزمات اليهودية الحاخامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>