ولكن مصطلح «أزمة اليهودية» حينما يُستخدَم في هذه الموسوعة، وفي غيرها من الدراسات، فإنه يشير في العادة إلى الأزمة التي دخلتها اليهودية الحاخامية ابتداءً من القرن السابع عشر نتيجة الجمود الذي أصاب المؤسسة الحاخامية، حتى تحولت العقيدة اليهودية إلى مجموعة من الشعائر والعقائد الخارجية. ونتيجةً لذلك، ازدهر التراث القبَّالي، وخصوصاً القبَّالاه اللوريانية، لحل مشكلة المعنى، ولتزويد اليهودي بنسق ديني يستجيب لحاجاته العاطفية والإنسانية. وقد أدَّى هذا الوضع إلى ضرب عزلة على الجماهير اليهودية عما حولها من تحولات، كما زاد من الهوة التي تفصل بينهم وبين المؤسسة الحاخامية. وكانت حركة شبتاي تسفي أول تعبير عن هذه الأزمة من داخل المؤسسة، وفلسفة إسبينوزا من خارجها، وكلاهما طرح حلاًّ حلولياً للأزمة، فرأى الأول الطبيعة في الإله، ورأى الآخر الإله في الطبيعة. وبعد هاتين الهجمتين لم تفق اليهودية الحاخامية وانزوت على نفسها وزاد تغلغل الفكر القبَّالي، وانتشرت الحركات الشبتانية (مثل الفرانكية) ، وانتشرت الحركة الحسيدية بحيث ضمت معظم جماهير يهود اليديشية في شرق أوربا (أي الكتلة البشرية اليهودية الكبرى) . وظل الصراع بين الحسيديين والمتنجديم (ممثلاً بالمؤسسة الحاخامية) قائماً إلى أن أفاق الطرفان ليواجها اندلاع أهم تعبير عن الثورة العلمانية الكبرى والفكر العقلاني، أي الثورة الفرنسية وحركة الإعتاق، وحدثت المواجهة السادسة مع الحضارة العلمانية في الغرب. ومنذ تلك اللحظة التاريخية، اتضحت معالم الأزمة تماماً، إذ انتشر فكر حركة الاستنارة وأخذ اليهود يحاولون إعادة صياغة اليهودية على نمط العالم الغربي المسيحي العلماني، فظهرت حركة التنوير التي وَجَّهت نقداً قاسياً للفقه اليهودي ولما يُسمَّى «الشخصية اليهودية» . وظهرت حركة اليهودية الإصلاحية والمحافظة والحركات الثورية المختلفة، وتصاعدت معدلات التنصر والاندماج والعلمنة