ويبدو أن ظهور هذه الفرقة يعود إلى عدة أسباب وعوامل داخل التشكيل الديني اليهودي وخارجه، من أهمها انتشار الإسلام في الشرق الأدنى وطرحه مفاهيم دينية وأطراً فكرية جديدة كانت تشكل تحدياً حقيقياً للفكر الديني اليهودي وبخاصة بعد أن غلبت عليه النزعة الحلولية الموجودة داخله. ويبدو أيضاً أنه كانت هناك، منذ هدم الهيكل عام ٧٠م، عناصر دينية رافضة لليهودية الحاخامية من بين بقايا الصدوقيين والعيسويين أتباع أبي عيسى الأصفهاني (٦٩٠) ، وأتباع يودغان. وقد أخذ القرّاءون عن الصدوقيين فكرة منع إشعال النار يوم السبت، وأخذوا عن العيسويين إيمانهم بأن عيسى (عليه السلام) ومحمداً (صلى الله عليه وسلم) رسولان من عند الله، كما أخذوا الترهب عن أتباع يودغان. وهناك نظرية تذهب إلى أن يهود الجزيرة العربية الذين وُطِّنوا في عهد عمر في البصرة وغيرها من بقاع العالم الإسلامي، ولم يكونوا يعرفون التلمود، كانوا من أهم العناصر التي ساعدت على انتشار المذهب القرّائي.
ومن المعروف أن اليهودية، حتى ذلك الوقت، لم تكن قد صاغت عقائدها الدينية بشكل محدد وواضح، فقد كانت اليهودية لا تزال مجموعة من الممارسات الدينية تشرف الحلقات التلمودية على تنفيذها وعلى إصدار الفتاوى بشأنها حسبما تقتضيه الظروف، وهو ما يعني أن البناء العقائدي كان لا يزال غير متماسك ويسمح بتفسيرات كثيرة. ويضاف إلى كل هذا، الوضع الاقتصادي المتردي لأعضاء الجماعات اليهودية، وخصوصاً بين أولئك الذين استوطنوا المناطق الحدودية بعيداً عن سلطة هذه الحلقات. أما القرّاءون أنفسهم فيُرجعون تاريخهم إلى أيام يُربعام الأول، حينما انقسمت المملكة العبرانية المتحدة إلى مملكتين: المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية (٩٢٨ ق. م) . أما المؤسسة الحاخامية فكانت تشيع أن عنان بن داود أسَّس الفرقة لأسباب شخصية.