ويمكن القول بأن هذا هو تنصير اليهودية في مرحلة حلولية شحوب الإله. أما في مرحلة وحدة الوجود وموت الإله (حلولية بدون إله) ، فإن التنصير يأخذ شكلاً مختلفاً. وقد ظهر مؤخراً ما يُسمَّى «لاهوت موت الإله» أو «ما بعد أوشفيتس» الذي يَصدُر عن القول بأن حادثة الإبادة النازية لليهود حدث مطلق يتجاوز الفهم الإنساني، ولذا فعلى المرء تَقبُّله دون تساؤل باعتباره سراً من الأسرار (بارادوكسا) ، من الواضح أن هذا اللاهوت تعبير عن تزايد معدلات العلمنة والإلحاد داخل العقيدة اليهودية. ولكن يمكننا أن نلاحظ أيضاً أنه تعبير عن تنصير النسق الديني اليهودي. فحادثة الصلب في الرؤية المسيحية هي اللحظة التي ينزل فيها الإله إلى الأرض متجسداً في شكل ابنه فيُصلَب فداءً للبشر، وهي حادثة تتجاوز الفهم الإنساني، وعلى الإنسان تَقبُّلها بكل تناقضاتها دون تساؤل وهي التي تعطي مغزى للتاريخ. وسنجد أن ما حَدَث داخل عقل المفكرين الدينيين اليهود أن الابن أصبح الشعب اليهودي المقدَّس الذي جاء إلى هذا العالم فاضطهده الأغيار إلى أن تمت حادثة الصلب على يد النازيين، فنظروا إلى هذه الحادثة التاريخية باعتبارها الواقعة الأساسية في تاريخ اليهود الحديث، بل في تاريخ اليهود بأسره. ويشكل هذا استمراراً للنمط التنصيري القديم نفسه، وقد أخذ نقطة الحلول (نزول الابن وصلبه وقيامه) وقام بتحويلها إلى شيء مستمر عبر التاريخ. وفي هذه الحالة، يكون ظهور الشعب اليهودي في التاريخ هو النزول، وتكون الكوارث التي لحقت به (ابتداءً بالخروج من مصر وانتهاءً بالإبادة) هي الصلب، أما القيام فهو عودة الشعب اليهودي إلى فلسطين وقيام الدولة الصهيونية.