وهذا المطلق العلماني الأساسي الكامن هو وحده المطلق النهائي، هو وحده الثابت وما عداه متغيِّر، مجرد تنويعات عليه. فيقول المرء:"قانون الطبيعة أو قانون الحركة هو كذا" أو يقول: "إننا توصلنا إلى كذا وهو ما يتفق مع القوانين الطبيعية/المادية" ـ ومن هنا الحديث عن «الإنسان الطبيعي» ، أي «الإنسان الطبيعي المادي» الذي يعيش حسب قوانين الطبيعة/المادة ويستمد منها وحدها المعرفة والقيم الأخلاقية والجمالية. وقد عبَّر هذا المطلق النهائي (هذه المرجعية النهائية المادية الكامنة) عن نفسه في بداية الأمر بشكل واضح مباشر، فكان هوبز يشير إلى الدولة/التنين، وإلى الأخلاقيات الذئبية للإنسان باعتبارها تعبيراً عن الطبيعة/المادة، كما تحدث لوك عن عقل الإنسان والصفحة البيضاء التي لا تختلف عن الطبيعة/المادة في أي شيء، وقام كثير من فلاسفة الاستنارة بمحاولة رؤية الإنسان باعتباره آلة وحسب، وقد بسَّط بنتام المنظومة الأخلاقية وجعلها تدور حول المنفعة واللذة بشكل آلي. ويمكن أن نضم إلى هؤلاء دعاة النظرية العرْقية الغربية التي زودت الإمبريالية الغربية بإطار نظري لإبادة الملايين، إذ ترى هذه النظرية أن ما يميِّز البشر ومرجعيتهم النهائية (المادية الكامنة) هو انتماؤهم العرْقي (الطبيعي/المادي) ومن ثم يمكن تفسير تفاوتهم بالعودة إلى القوانين البيولوجية (الطبيعية/المادية) .