ويُسمِّي الماركسيون هؤلاء الفلاسفة بالماديين الآليين أو الماديين السُذج أو السوقيين، وهم بالفعل أصحاب رؤية مادية واحدية للإنسان، يتحدثون عن الدوافع الإنسانية وعن الطبيعة البشرية بشكل تافه ساذج أحادي البُعد. وقد أدَّى ذلك إلى رد فعل في الفكر الغربي وظهرت محاولة لاستعادة مفهوم أكثر تركيبية للإنسان ولعقله ولعلاقته بالطبيعة والمجتمع، فظهرت مطلقات ومرجعيات نهائية مادية كامنة أكثر تركيبية وإن لم تكن أقل كمونية مثل: اليد الخفية عند آدم سميث ـ المنفعة عند بنتام ـ وسائل الإنتاج عند ماركس ـ الجنس عند فرويد ـ إرادة القوة عند نيتشه ـ قانون البقاء عند داروين ـ الطفرة الحيوية عند برجسون ـ الروح المطلقة عند هيجل التي تتوحد بالطبيعة في نهاية التاريخ ـ روح التاريخ ـ روح الحضارة ـ روح العصر ـ عبقرية المكان ـ التقدم اللانهائي ـ عبء الرجل الأبيض باعتباره عبئاً حضارياً ... إلخ. ولكن، رغم التركيبية الظاهرة لهذه المفاهيم، فإنها مجرد تنويع مركب على نفس مفهوم الطبيعة/المادة، فالمنفعة والجنس والطبقة لابد أن تُفسَّر، في نهاية الأمر وفي التحليل الأخير، تفسيراً مادياً.
والمطلق العلماني النهائي والمرجعية النهائية المادية كما أسلفنا هو الطبيعة/المادة، ولكن ثمة تطابقاً شبه كامل بين الصورة الكامنة وراء الطبيعة/المادة باعتبارها مفهوماً فلسفياً وصورة السوق/المصنع:
١ ـ السوق/المصنع شامل لا انقطاع فيه ولا فراغات، فهو يمتد ليشمل الوطن بأسره وها هو قد امتد ليشمل العالم.
٢ ـ السوق/المصنع شيء منتظم متسق مع نفسه، خاضع لقوانين ثابتة منتظمة مطردة واضحة بسيطة رياضية حتمية وآلية.
٣ ـ السوق/المصنع لا يكترث بالفرد ولا بالإنسان، ولا بالخصوصيات ولا بالغائيات أو القيم الإنسانية، فهو يتجاوز الإنسان ولا يتجاوزه الإنسان.