للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ) اللحظة النازية (والصهيونية) : وهي أهم اللحظات النماذجية وأكثرها مادية، لأنها تعبير مباشر عن الإنسان الطبيعي/المادي، الإنسان كمادة محضة وكقوة إمبريالية مادية كاسحة. فالمجتمع النازي كان يعتبر الإنسان كائناً طبيعياً مرجعيته النهائية هي الطبيعة/المادة ومرجعيته الأخلاقية المادية هي إرادة القوة، ولهذا نظر إلى البشر جميعاً باعتبارهم مادة استعمالية يمكن توظيفها ويقوم الأقوى والأصلح (من الناحية الطبيعية/المادية) بهذه العملية لصالحه. ومن هنا، تم تقسيم البشر، من منظور مادي رشيد، إلى أشخاص نافعين وأشخاص غير نافعين، وتَقرَّر إبادة بعض غير النافعين منهم ممن لا يمكن إصلاحهم وتحويلهم إلى عناصر منتجة، وذلك بعد دراسة علمية تمت من منظور مادي علمي رشيد.

ويمكن القول بأن معسكر الاعتقال هو مجتمع واحدي مادي نماذجي تم التحكم في كل شيء داخله، وضمن ذلك البشر، وطُبِّقت عليهم نماذج رياضية صارمة ذات طابع هوبزي وإسبينوزي تم تطهيرها تماماً من ظلال الإله، فلا رحمة فيها ولا تراحم، ولا مجال فيها لأية غائيات أو مرجعيات إنسانية لأن المرجعية الوحيدة هي المنفعة المادية وإرادة القوة. ولذا أُعطي كل إنسان رقماً حتى يمكن إدارة المعسكر بكفاءة شديدة، وتحوَّل الإنسان إلى مادة استعمالية تُولَّد منها الطاقة (عمالة رخيصة) أو سلع (تحويل العظام إلى سماد، والشحوم الإنسانية إلى صابون، والشعر البشري إلى فُرَش ... إلخ) . وعلى هذا النحو، تم تعظيم الفائدة وتقليل العادم.

<<  <  ج: ص:  >  >>