ويُلاحَظ أن الإله عادةً ما يلتحم بمخلوقاته في النسق الحلولي ويتوحد معها ويذوب فيها، فيشحب ثم يختفي تماماً إلا اسماً، ويظهر الإنسان متميِّزاً إلى أن يحل محل الإله تماماً، وهكذا تتحول الحلولية من مرحلة وحدة الوجود الروحية إلى مرحلة وحدة الوجود المادية أو حلولية بدون إله، وهي مرحلة العلمانية. وهذا هو ما يحدث في فلسفة كابلان، فهو يرى أن الدنيا مكتفية بذاتها، إذ أن الإنسان يتضمن من القدرات ما يؤهله للوصول إلى الخلاص بمفرده دون عون خارجي، كما أن الطبيعة المادية يوجد فيها من المصادر ما يجعل هذه العملية ممكنة. والإله داخل هذا الإطار المنغلق على نفسه ليس كائناً أسمى خلق العالم وتَحكَّم فيه، وإنما هو مجرد عملية كونية تقترن في الواقع بذلك الجانب الذي يزيد قيمة الفرد والوحدة الاجتماعية، وهو القوة التي تدفع نحو الخلاص، وهو التقدم العلمي. ولذا، فرغم أن كابلان يحتفظ بفكرة الإله في صيغة شاحبة باهتة، فإن ما بقي منه هو في واقع الأمر الاسم وحسب. ولذا، فليس من المستغرب أن ينكر تماماً فكرة الوحي الرباني وفكرة البعث والآخرة في صياغتهما اليهودية. والواقع أن فكرة الرب التي يطرحها كابلان لا تدع مجالاً لأية علاقة شخصية عاطفية بين الإله ومخلوقاته، فهو بهذا كيان مجرد يشبه النظريات الهندسية أو المعادلات الرياضية (ولا يختلف كثيراً لا عن إله إسبينوزا الذي يتوحد تماماً مع الطبيعة وقوانينها، ولا عن إله الربوبيين الذي يذوب تماماً في العقل المادي وقوانين التطور) .