للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبشحوب فكرة الإله ثم اختفائها، تظهر فكرة الشعب عنصراً أكثر أهمية من الإله في النسق الديني. وإذا كانت هذه الفكرة جنينية في فكر اليهودية المحافظة، فهي هنا تصبح واضحة صريحة. فأكثر الأشياء قداسة في نسق كابلان هو اليهود وتراثهم وليس دينهم. فالدين اختراع إنساني وتعبير حضاري عن روح الشعب العضوي (فولك) ، يشبه في هذا المجال اللغة والفلكلور، ولا يوجد فارق كبير بين التوراة والكتب الأخرى للشعب، فكلها منتجات حضارية يلتحم فيها الدين بالموروث الحضاري. واليهودية نفسها عبادة شعبية أو قومية، أعيادها تشبه عيد الاستقلال عند الأمريكيين أو الأعياد الشعبية المختلفة. وهكذا يشحب الدين مثلما شحب الإله من قبل، وهكذا يختفي الدين مثلما اختفى الإله من قبل حتى يبرز عنصر واحد هو الشعب اليهودي وروحه المطلقة الأزلية.

ويرى كابلان أن وجود اليهود يسبق ماهيتهم. ولذا، فإن اليهود (هذا الوجود التاريخي المتطور) أهم من اليهودية (هذا النسق الديني الذي يتسم بشيء من الثبات) . واليهودية إنما وجدت من أجل اليهود ولم يوجد اليهود من أجل اليهودية، وهذا على خلاف الرؤية الأرثوذكسية التي ترى أن اليهودي قد اختير ليضطلع بوظيفة مقدَّسة تجعل وجوده الدنيوي أمراً ثانوياً. والقاسم المشترك الأعظم بين اليهود ليس عقائدهم، ولا ممارساتهم الدينية، ولا حتى أهدافهم الخلقية، وإنما حضارتهم الشعبية الدينية، وهي حضارة يدفعها الإله بالتدريج نحو العُلا والسمو.

<<  <  ج: ص:  >  >>