وقد أسس بوبر مع يهودا ماجنيس جماعة إيحود التي كانت تطالب بإقامة دولة صهيونية مزدوجة القومية. لكنه تعرَّض لانتقاد شديد في بعض الأوساط اليهودية لقبوله تسلم جائزة جوته من مدينة هامبورج ولاستئناف علاقته بالحياة الفكرية والثقافية الألمانية (مع العلم أن هذا الموقف لا يتناقض البتة مع منطلقاته الفكرية) . وقد منحه مجلس ناشري الكتب في ألمانيا جائزة السلام عام ١٩٥٣ واستقبله رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية باعتباره واحداً من مفكري ألمانيا وفلاسفتها العائدين إلى وطنهم!
ومصادر الفكر الديني والفلسفي السياسي عند بوبر ألمانية (مسيحية علمانية) . فقد تأثر بالمتصوفين المسيحيين الألمان مايستر إيكهارت وجيكوب بيمه Jacob Boehme، كما تأثر برؤية وحدة الوجود التي طرحاها وبإيمانهما الكامل بأن الإنسان يمكنه أن يعود إلى التوازن من خلال الحدس والاستماع لصوت التجربة الداخلية والتوحد بالخالق. وقد تأثر كذلك بالفكر الرومانسي الألماني، وخصوصاً فكر فخته الذي أكد الحدس على حساب التأمل وميَّز بين الجماعة المترابطة بشكل عضوي (جماينشافت) والجماعة المترابطة بشكل آلي (جيسيلشافت) ، وأعلى من أهمية الشعب العضوي (فولك) . ويُعَدُّ نيتشه من أهم المفكرين الألمان الذين أثروا في بوبر، شأنه في هذا شأن معظم المفكرين اليهود والصهاينة في ذلك الوقت، فتعلَّم من نيتشه فكرة الإرادة المستقلة عن أي حدود وظروف، والإيمان بأهمية الفعل الغريزي المباشر مقابل التأمل والتدبير، والالتزام بالمتعيِّن والمحسوس على حساب المجرد، وتأكيد الحياة والغريزة في مواجهة القيم التقليدية والمثاليات المجردة التي تخنق الحياة والغريزة.