وقد عمَّق جوستاف لانداور (١٨٦٩ ـ ١٩١٩) تأثير فخته وفكرة الشعب العضوي والجماعة العضوية وربطهما بالفكر الاشتراكي أو الجماعية بل بالاتجاهات الصوفية الحلولية، وبهذا يكون لانداور قد ربط بين كل المكونات في النسق الفكري عند بوبر. وإلى جانب المصادر الألمانية، تأثَّر بوبر، شأنه شأن كثير من المفكرين الغربيين الوجوديين، بدوستويفسكي، وخصوصاً في إحساسه بغربة الإنسان في عالم خال من المعنى. كما تأثَّر بكيركجارد، الأب الروحي للوجودية الحديثة، الذي أكد أن العلاقة الحقة بين الإله والإنسان لابد أن تكون مباشرة ودون وسطاء، وطالب الإنسان بأن يصبح شخصاً واحداً كلياً فريداً.
ويُلاحَظ أن المصادر الفكرية (الدينية والفلسفية) عند بوبر معظمها غير يهودية. لقد ظل بوبر، طيلة حياته، يجد الدراسات التلمودية جافة وعقيمة. وقد اكتشف الحسيدية باعتبارها تجربة صوفية وتعبيراً عن الصوت الداخلي من خلال مصادره الألمانية المسيحية الصوفية. وفكر بوبر الديني والسياسي فكر حلولي متطرف تتلاقى فيه وحدة الوجود الروحية بوحدة الوجود المادية، فيصبح الإله والإنسان والطبيعة كلاًّ عضوياً واحداً. وتتجلى هذه الرؤية الحلولية في فلسفة الحوار التي تشكل أساس الفكرة الدينية في فكرة الشعب العضوي (فولك) التي تشمل أساس فكره السياسي والاجتماعي، ففكره السياسي هو نفسه فكره الديني، وفكره الديني هو نفسه فكره السياسي، وهذا أمر متوقع داخل منظومة فكرية لا تفرق بين الإله والإنسان، أو بين الإنسان والطبيعة، أو بين هذا العالم والعالم الآخر، أو بين التاريخ والوحي، أو بين القومية والدين.