ولنُلاحظ أن بوبر حوَّل اليهودية من نسق عقيدي ومجموعة من القيم إلى مجموعة من الخصائص البيولوجية، فاليهود لا يؤمنون بعقيدة وإنما هم جماعة يرتبطون برباط الدم. والواقع أن هذا التعريف لا يختلف من قريب أو بعيد عن التعريفات العرْقية المعادية لليهود والتي تفترض ثبات شخصيتهم رغم تَغيُّر الزمان والمكان (كما أنه لا يختلف في بعض جوانبه عن تعريف الشريعة لليهودي بأنه من وُلد لأم يهودية) . وسنلاحظ كذلك أن فكر بوبر إن هو إلا تطبيق لفكره الغربي العرْقي على يهود اليديشية. فالشرق إن هو إلا شرق أوربا (وآسيا هي بولندا) ، ومن المعروف أن التعبير الفني الأساسي عند يهود اليديشية كان الغناء والرقص.
ماذا سيفعل هذا الشعب الآسيوي في أوربا؟ عند هذه النقطة نجد أن ملامح الحل الصهيوني النازي العضوي الحلولي قد اكتملت، إذ يكتشف بوبر أن ثمة علاقة وثيقة بين الشعبين العضويين الألماني واليهودي. فالألمان هم الشعب العضوي الذي سيقود العالم ويسد الفجوة بين الشرق والغرب لأنه أقرب الشعوب الغربية إلى الشرق (ولا يبيِّن بوبر قط الأسباب التي قادته إلى استخلاص هذه النتيجة) . إن الألمان عندهم مهارات الغرب ولكنهم لم ينسوا قط حكمة الشرق. كما أن الألمان أكثر الشعوب تأثيراً في اليهود (وبوبر نفسه شاهد على ذلك، كما أن اللغة اليديشية لغة معظم يهود العالم آنذاك شاهد قوي آخر) . بل يذهب بوبر إلى أن الألمان أكثر الشعوب تأثراً باليهودية من خلال العهد القديم (الذي ترجمه لوثر ترجمة ممتازة وحوَّله إلى أهم عمل كلاسيكي في اللغة الألمانية) ومن خلال مجموعة من العبقريات اليهودية مثل إسبينوزا ولاسال وماركس.