وبعد تأكيد هذه العلاقة بين الألمان اليهود، يتحول بوبر نحو اليهود ليكتشف الحسيدية باعتبارها أهم تجسيد للشخصية اليهودية الآسيوية أو الجماعة العضوية المترابطة (جماينشافت) التي تنظم حياتها ووجودها حول أسطورة مقدَّسة لا يشاركها فيها أحد. ومن ثم، فإن الحسيدية، حسب تصوُّر بوبر، استمرار لتقاليد الثورة في اليهودية: تقاليد الأسينيين والأنبياء التي ترفض الالتزام بالقانون والشريعة وتُعلي من شأن الفعل المباشر والغريزي. والحسيدية حركة متصوفة لا تبتعد عن الدنيا، وإنما تقترب منها، ولذا فهي تصوُّف يترجم نفسه إلى فعل، أي أنها ترجمة لتلاقي وحدة الوجود الروحية ووحدة الوجود المادية. وقد تَغنَّى بوبر بالقائد المحرر والقائد الفنان الذي سيعلم الفولك، ووجد ضالته في التساديك الحسيدي فهو قيادة كاريزمية يدين له أتباعه بالولاء بدون نقاش، تماماً مثلما كان النازيون يدينون للفوهرر، قيادتهم الكاريزمية (ولنُلاحظ أن الأنا والأنت التي كانت تستند إلى علاقة حب، أصبحت هنا تستند إلى علاقة القوة؛ العلاقة الوحيدة الممكنة في المنظومة النيتشوية) .