عند هذه الصورة يمكن القول بأن ملامح المجتمع الصهيوني قد اكتملت: جماعة عضوية تجسد القداسة تعيش بطريقة جماعية، ولكن جماعيتها لا تنبع من الفكر الاشتراكي السياسي وإنما من التماسك العضوي الحلولي. ويذهب بوبر إلى ضرورة عودة اليهود إلى صهيون ليؤسسوا مجتمعاً مثالياً مقدَّساً تتداخل فيه القومية والدين، والدين والقومية، والأزلية والزمن، والزمن والأزلية. وتمازُج الديني والقومي والمطلق والنسبي هو أساس نقده لكل من هرتزل والحسيدية، فهرتزل كان ينوي تأسيس مجتمع صهيوني سياسي لحل المسألة اليهودية في وجهيها السياسي والاقتصادي دون أن يتوجه إلى العناصر الأزلية في القومية اليهودية. أما الحسيدية، فرغم رؤيتها الحلولية التي تؤكد قداسة اليهود إلا أن العنصر القومي لم يكن واضحاً في الفكر الحسيدي، بل كانت علاقة الحسيديين بفلسطين علاقة عارضة، ولم تعبِّر عن نفسها في شكل رغبة في التحرر القومي، كما لم تترجم نفسها إلى تَطلُّع إلى أن يقرر الشعب اليهودي إرادته ومصيره في أرضه داخل جماعة مقدَّسة وقومية. وقد كان الحسيديون من دعاة (الروحية) ، وكان هرتزل من دعاة (المادية) ، على حين أن الوحدة المثلى من منظور إسبينوزا هي وحدة وجود واحدة (روحية مادية) تتجسد في المجتمع الصهيوني العضوي.