للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنتمي محاولة لفيناس لهذا التيار، وإن كان يحاول قدر استطاعته ألا يسقط في لحظة الذوبان هذه ويحتفظ بقدر معقول من التماسك والصلابة. ويتصور لفيناس أنه وجد ضالته في مفهوم الآخر والعلاقة معه. فالإنسان كموجود متعين يمكنه أن يتجاوز الوجود الكلي المجرد من خلال علاقة فريدة تجعله يخرج من ذاتيته الضيقة دون أن يفقدها ويدرك ذاتية الآخر باعتبارها ذاتية وموجوداً متعيِّناً لا يمكن أن يُرد إلى الوجود المجرد، فهي ذاتية موجودة فيما وراء الكل، ولذا ليس بإمكان الفكر (بالمعنى الذي حددناه من قبل) الإحاطة بها.

وآخرية الآخر تتبدَّى بشكل خاص في وجهه، فالوجه هو التعبير عن التفرد وعن جوهر الآخر الإنساني الفردي، الكامن المتبدي. ومن ثم يضع لفيناس الوجه [الأصيل] ضد الواجهة [الزائفة] ، كما يضع الوجه الخاص مقابل نور الاستنارة العام. إن الإنسان حينما يدخل في علاقة ميتافيزيقية حقيقية مع الآخر فإنه سيكتشف أن هذا الوجه هو اللامتناهي وأنه سر، بل تجلٍّ إلهي، لا يستطيع الكل ابتلاعه. والآخر بهذا المعنى، يشبه الإله في كثير من صفاته. ويمكن القول بأن لفيناس، بمعنى من المعاني، ينتمي إلى ما يُسمَّى «لاهوت موت الإله» الذي يتلخص في البحث عن منظومات معرفية وأخلاقية في عالم لا إله فيه، وإن كان لفيناس يؤكد أن غياب الإله لا يعني بالضرورة أنه غير موجود.

ولأن الآخر هو اللامتناهي وهو الزمان اللامتعاقب الذي يقع خارج نطاق الوجود، فإن العلاقة مع الآخر تصبح هي الإسكاتولوجي (آخر الأيام) الذي يشكل انقطاعاً كاملاً وتحطيماً لأية كليات مجردة متجاوزة. ولكنه إسكاتولوجي لا علاقة له بالأديان السماوية، فلاهوت هذه الديانات خاضع للأنطولوجيا، وهو إن لم يؤد إلى الشمولية الكلية التاريخية (على الطريقة الهيجلية) فإنه يؤدي إلى الكلية الإلهية.

<<  <  ج: ص:  >  >>